القديسة ثيؤدورا

القديسة ثيؤدورا

"لأن كل من ولد من الله يغلب العالم وهذه هى الغلبة التى تغلب العالم ايماننا". (1 يو 5 : 4)

ولدت هذه القديسة فى مدينة الاسكندرية فى نهاية القرن الثالث من أبوين مسيحيين من عظماء المدينة ، فربياها تربية مسيحية نقية حتى انها نشأت محبة للطهارة ، ولما كبرت وضعت فى قلبها أن تعيش بتولا عروسا للختن السماوى ، بالرغم من انها كانت حسنة الصورة جدا، وكانت موضع حديث الكثيرين لا سيما العظماء منهم.

وتقدم الكثيرين منهم طالبين الزواج بها وهى لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها ، فلم تفلح محاولاتهم وإغراءاتهم إذ أنها نذرت حياة البتولية ولازمت البقاء فى منزلها لا تخرج منه إلا لتناول القربان المقدس وسماع الوعظ يوم الأحد.

ثباتها وتمسكها بالمسيح:


لما صدرت أوامر دقلديانوس باضطهاد المسيحيين شكاها البعض أمام بروكولوس والى الإسكندرية بأنها مسيحية فأحضرها الوالى أمامه.

فلما رآها اشتهاها وأخذ يلاطفها بأمل ـأن يستميلها اليه لكى يتزوجها ، أما هى فكانت تأبى أن تجاريه أو تشجعه بل كانت تصده بشجاعة مسيحية نادرة قائلة له: اننى مسيحية ونذرت حياة البتولية والعفة.

فسألها إن كانت عبدة أم حرة؟
فأجابت : إن ربنا يسوع المسيح جاء وحررنى ، وأيضا حسب مقاييسكم البشرية انا حرة.
ولما علم أنها من أسرة عظيمة بالمدينة قال لها : فلماذا لم تتزوجى أحد العظماء؟ أننى أريد أن أتزوجك.
فأجابته : أننى مخطوبة لعريس عظيم لا يمكننى أن أتركه ولا أرضى عنه بديلا.
فقال لها: ومن هو هذا ايتها الحسناء؟ هل هو أعظم منى؟ ألستى تعلمين اننى بروكولوس والى الأسكندرية وليس فيها ما يماثلنى فى الغنى والسلطان؟

فأجابته بهدوء وثبات: نعم . انى مخطوبة لمن هو أعظم منك واقوى منك ، إن خطيبى هو ملك الملوك ، انه ملك على المسكونة كلها ، انه سيد الطبيعة والكون كله. أنه يقيم الموتى ويشفى المرضى ويقوى الضعفاء ، إنه مات وقام ليحيينى ، واشترانى بدمه وخطبنى بالصليب ، إنه ليس إكليلا من الشوك وطعن بالحربة واحتمل اشد الآلآم من اجل محبته لى ، فهل ترى حبا أعظم من هذا؟!
فقال لها: ومن هو هذا الملك العظيم الذى تصفينه بحب هكذا؟
قالت : انه ربى يسوع المسيح الذى أؤمن به.

وهنا ثار بروكولوس وقال لها : أيتها الجاهلة ، لا تخدعى نفسك ، هل تثقين فى انسان صلب ؟ ألست تعلمين اننى سأرسلك الى إحدى بيوت الدعارة ، فهل هو سيحفظك هناك من الدنس؟ تعقلى ولا تجلبى العار لأسرتك.

فأجابته بايمان شديد: نعم ، انه يستطيع ان يحفظنى فى كل مكان ، كما حفظنى الى الآن ، انه ضابط الكل، وكائن فى كل مكان، اننى اثق تماما انه يقدر ويعرف كيف يحفظ جماعته ، انه ينظر الى إشتياق الإنسان ويعطى كل واحد حسب قلبه.

فلما رأى ثباتها وقوة عزيمتها قال لها: أننى الآن أطالبك بتنفيذ أوامر الامبراطور وهى أن تقربى للآلهه وتبخرى لها.
فأجابته : إننى لا أقرب ولا أعبد شياطين ، إننى أعبد الله الحقيقى وهو ناصرى.

فقال لها : لا تكونى غبية هكذا ، اسرعى واطيعى لأننى انتظرت عليك طويلا.

فقالت له ثيؤدورا : أن ما تعتبره أنت غباء هو الحكمة . وهذا سيؤول فى النهاية الى مجد وعلى قدر ما انتظرت انت على ، بقدر ماأشتاق ان تسرع فى تنفيذ الأوامر ضدى.

ولكنه اعطاها مهلة ثلاثة أيام لعلها تتراجع ويظفر بها ويتزوجها ، أما هى فاستمرت تصلى صائمة طالبة من الرب يسوع المسيح ان يحفظ بتوليتها طاهرة وينقذها من الفساد حتى تزف اليه بلا عيب ، وهكذا ازدادت ثباتا .

الله رجاء المتوكلين عليه:

الله تبارك اسمه الذى آمنت به وسلمت له كل حياتها وأحبته من كل قلبها ، حاشا له ان يتركها لأنه حقا معين من ليس له معين ، رجاء المتوكلين عليه ، هو يعرف كيف يحفظ حمامته كما قالت هى لبروكولوس .

فلقد سمع قصتها شاب مسيحى يدعى ديديموس وعرف بالحكم الذى صدر ضدها ، فاتقد قلبه بالغيرة المقدسة وأراد انقاذها ، فأرشده الهنا الصالح الى ان يتنكر فى زى جندى وذهب الى ذلك المنزل الذى أودعت فيه ، وطلب الدخول الى غرفة ثيؤدورا ، فسمحت له صاحبة المنزل بالدخول اليها.

فلما شاهدته ثيؤدورا العفيفة ارتاعت وأخذت تبكى خوفا من تدنيس عفتها ، أما هو فهدأ من روعها وناداها وهو يبكى قائلا : لا تخافى ياأختى المباركة ، ياعروس المسيح ، لقد ارسلنى خطيبك لنجاتك ، اننى اخوك ورسول سلامة عفتك. ثم نزع الزى العسكرى وقال لها: خذى هذا الثوب وارتديه ، واعطنى ثوبك لألبسه واخرجى أنت وأنا ألبث مكانك.

فاطمأنت وفرحت لأن الرب استجاب صلواتها ودموعها وافتقدها برحمته ونزعت ثوبها وليست زى الشاب ديديموس الطاهر ، وتقلدت سيفه وخرجت لا تكلم احدا ، منكسة الرأس كمن يستحى عند خروجه من ذلك المنزل.
قوة محبة الله تغلب الموت وتستعذبه:

بعد قليل اكتشفت المسئولة عن هذا البيت هذه الحيلة ، ففزعت واندهشت واسرعت بابلاغ الوالى الذى فوجىء بهذه الحيلة الجريئة وثار كثيرا وشرع يسىء الى الشاب ديديموس معتبرا هذه خيانة وإهانة كبيرة له.

ثم سأل ديديموس: ماالذى دفعك ايها الشاب لهذا الفعل الغريب؟
فأجابه : إلهى الذى هو إلهها أرسلنى لإنقاذها وحفظ طهارتها وبتوليتها.
فسأله بروكولوس: وأين ذهبت الفتاة الآن؟

فأجاب ديديموس: أننى لست أعلم أين هى الآن؟ لكننى أعلم شيئا واحدا انها إبنة محبة لربنا يسوع المسيح لذلك أخرجها من بيت الدعارة طاهرة نقية ، وهذا هو عمله تبارك اسمه وليس عملى انا ، لقد أعطاها حسب إيمانها القوى به ، وإتكالها عليه.
وهكذا إستشاط الوالى غضبا وآمره أن يبخر للأوثان ، فرفض ديديموس ، فأمر بروكولوس بتعذيبه ثم بقطع رأسه . فلما سمعت ثيؤدورا بذلك الحكم خرجت من مكانها مسرعة وراءة قائلة : إننى وفقت أنك تحفظ عفتى ولكننى لا أقبل أنك تأخذ إكليلى ومكانى فى الشهادة.

فأجابها ديديموس: ياأختى لا تقابلى إحسانى بالإساءة . لقد حافظت على عفتك فدعينى الآن آنال عوض ذلك إكليل الشهادة.
فلما سمع الحاضرون هذه العبارات الملائكية بكوا متأثرين جدا ، ثم نالا إكليل الشهادة بقطع رأسيهما معا ، أحدهما حبا فى العفة والطهارة والثانى حبا فى المحافظة عليها.

بركة صلاتهما فلتكن معنا آمين.

بركتها تكون معانا كلنا يارب وربنا يعوض تعب محبتك