القديس البابا متاؤس الأول البطريرك الــــــــــ 87
"وأما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (2 تى 2 : 22)
ولد هذا القديس العظيم فى صعيد مصر ، وتربى ونما منذ طفولته فى حياة التقوى والقداسة ، ولما بلغ من العمر أربعة عشر عاما ، ترك هذا العالم الباطل وانفرد للعبادة فى دير قريب من مدينة أخميم ، وتتلمذ لشيخ قديس اسمه إبرآم لمدة اربع سنوات.
وفى هذه السنوات القليلة اشتهر وذاعت اخبار قداسته وفضائله ، مما جعل أسقف تلك الجهة يستدعيه ليقيم عنده فى الأسقفية ، فخضع للأمر وذهب اليه وكان شابا يافعا جميل الصورة.
وبعد فترة من بقائه مع الأسقف حسده الشيطان على طهارته وحفظ عفته منذ حداثته ، فوضع فى قلب إمرأة ان تراوده وتغريه للسقوط معها ، أما هو فكان يترفع عن طلبها الوخيم ويهرب منها ، الى ان اتفق فى أحد الأيام انه انفرد فى الحقل التابع للأسقف وكانت هى تتبعه حتى اقتربت منه وحاولت أن تجذبه للخطية ، أما هو فكان يزجرها تارة وأخرى بذكرها بعقوبة الله الصارمة للخطاة ، وبيوم الدينونة المخيف لعلها ترتدع ، وأما هى فلم تسمع لكلامه وكانت مستمرة فى ابداء اعجابها به.
فحينئذ سألها: ماالذى يعجبك فى؟
أجابت حاجبيك.
فلما عرف سبب عثرتها سرعان ما انعزل عنها قليلا وأخرج من ملابسه سلاحا حادا وقطع حاجبيه وذهب اليها والدم يتفجر منها حتى صبغ وجهه وقدمها لها قائلا : خذى ما تشتهينه .
فارتعبت المرأة من هذا المنظر وهربت مسرعة مرتعدة.
ومنذ ذلك الحين قرر ترك الأسقفية ، وأخذ يتوسل الى الأب الأسقف أن يتركه ، طالبا الرجوع الى أبيه الروحى القديس إبرآم ، ولكن الأب الأسقف أصر على بقائه ، فلما رأى هو هذا الإصرار لجأ بعد فترة الى حيله أخرى لعله يستطيع بها الهروب من هذه الخدمة وذلك بأن تظاهر بالجنون وشرع يمزق ثيابه ويتصرف تصرفات غريبة غير معتادة ، فما كان من الأب الأسقف إلا أن أخلى سبيله.
فلما ذهب الى أبيه الروحى أخبره بكل ما حدث معه والتجربة القاسية التى تعرض لها ، وتظاهره بالجنون فمدح عفته وحكمته وشجاعته.