من هو مار أفرام السرياني ؟
يبقى مار أفرام السرياني علامة فارقة في حياة الكنيسة المسيحية الشرقية عامة، والكنيسة السريانية بكل مذاهبها بصورة خاصة. ولم يتفق المسيحيون على شخصية كنسية جمعت بين القداسة والتقوى، والعطاء الفكري، كما اتفقوا على مار أفرام الذي ضمّوه إلى سلسلة الآباء القديسين، واتخذوه أنموذجاً لوحدتهم الكنسية المنشودة، وأدخلوا كتاباته شعراً ونثراً في طقوسهم وصلواتهم وتراثاتهم الغنية.
وتجدر الإشارة إلى أن روائع كتاباته وإبداعاته الفكرية التي تنوعت، إذ شملت اللاهوت، وشرح الكتاب المقدس، والتعليم المسيحي، والآبائيات، والزهد، والوعظ، والأخلاق، التي ألّفها ووضعها بلغته الأم : اللغة السريانية الآرامية، قد نُقلت في أيامه إلى لغات أخرى. أما اليوم فتجدها في كل اللغات العالمية، وخاصة الألمانية، والإنكليزية، والفرنسية، والأسبانية، واليونانية، والأرمنية، والعربية وغيرها، وربما هذا هو السبب الذي جعل بعض كبار الأدباء واللاهوتيين والعلماء والأدباء، أن يطلقوا عليه تسميات منها : شمس السريان ونبيهم، وكنّارة الروح القدس.
اختلف المؤرخون في تحديد سنة ميلاده، فمنهم من قال أنه وُلد في نصيبين سنة /303 م/، ومنهم من أشار إلى أن ولادته كانت سنة /306 م/، أيضاً في نصيبين أو في أطرافها، وقد شاء مركز الدراسات والأبحاث المشرقية أن يَعقد مؤتمر التراث السرياني الحادي عشر بعنوان : مار أفرام شاعر لأيامنا في مدينة حلب بين 11 ـ 14/أيار، لمرور /1700/ سنة على ولادة هذا اللاهوتي، والشاعر، والأديب، والمربي الكبير، وباعتبار أن سنة /306/ هو تاريخ ولادته. ويأتي المؤتمر تزامنا مع احتفالية حلب كعاصمة للثقافة الإسلامية لعام /2006/، وقد حضر لاهوتيون، وباحثون، ومؤرخون، جاءوا من كل أنحاء العالم ليتحدثوا عن تأثير مار أفرام السرياني في حياة المسيحيين حتى هذا اليوم.
عاش مار أفرام في مدينتين من بلاد ما بين النهرين، الأولى : نصيبين التي نشأ وترعرع فيها، وتتلمذ على يد أسقفها مار يعقوب، وهي من المدن التاريخية، اشتهرت لوقوعها على الحدود بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، وهذا كان سبب من أسباب أهميتها، وتحمل أهلها ويلات الحروب التي عرفتها المدينة في تاريخها حتى سقوطها. وجاءت شهرة المدينة بعد مار أفرام من خلال مدرستها اللاهوتية التي أسسها مار يعقوب وعلّم فيها تلميذه مار أفرام، وضّم إليها عدداً كبيراً من طلاب العلم، تتلمذوا على يديه. والثانية : مدينة الرها التي انتقل إليها سنة /363 م/، فدّرس في مدرستها اللاهوتية الشهيرة، ورفع من مستواها، وتخرج فيها على يديه عددٌ آخر من الشعراء وشرّاح الكتاب المقدس.
مار أفرام السرياني بقي شماساً حتى وفاته، وعاش زاهداً ناسكاً في حياته، وبقي قدوة في العطاء المتنوع لأبناء الكنيسة، فلم تقتصر شهرته على عطائه الفكري المتجسد بكتاباته منها ميامره، وأناشيده، وقصائده التي تجاوزت ملايين الأبيات، وشرحه لأسفار الكتاب المقدس، ولكنه ساهم كثيراً في خدمة جرحى الحروب والكوارث، ومساعدة المسنين والعجزة، والفقراء والمهّمشين، وقد أشار إلى الخدمات الاجتماعية في كتاباته، وبقي قلبه ينبض حوالي تسع سنوات ونيف في مدينة الرها، يخدم بكل جوارحه مدرستها اللاهوتية، وأهلها، وجوقة الترتيل فيها، إلى أن أسلم الروح في 9/حزيران/373 م، ودُفن في مكان بني فيما بعد فوق ضريحه دير في جوار الرها عُرف بالدير السفلي.