يتساءل البعض أيضاً قائلين:
هل خلت السماء والكون كله من وجود الله عند ما كان ظاهرا في الجسد على الأرض؟
الرد:
إن ظهور الله في جسد إنسان ليس معناه أنه كان محصوراً ومحدوداً في هذا الجسد، لأن الله روح، فرغم أنه كان ظاهراً في جسد إنسان فقد كان مالئاً السماء والأرض. ولتوضيح ذلك نورد الأدلة الآتية:
1- سورة النور 25:
"الله نور السموات والأرض. مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، والزجاجة تضئ كأنها كوكب دري"
فالقرآن يشبه الله بالنور، وأنه مثل نور مصباح موجود داخل زجاجة، وهذا المصباح موضوع في مشكاة (أي تجويف في الحائط).
فهل الزجاجة تحصر نور المصباح؟
كلا، بل النور بخاصيته الإشعاعية ينفذ من الزجاجة ليملأ كل المكان.
والواقع أن في هذا التشبيه الرائع الذي وضعه القرآن، يلاحظ أهمية وجود الزجاجة فوق المصباح، فإن وجودها لا يحجب ولا يعوق انتشار نور المصباح، بل على العكس جعل النور اكثر وضوحاً ولمعاناً لأعين الناظرين (تضيء كأنها كوكب دري).
فعلى هذا القياس نقول أن الجسد الذي حل فيه الله لم يحجب اللاهوت ولم يمنع وجوده في العالمين، بل على العكس جعل اللاهوت أكثر وضوحاً وظهوراً لأعين الناظرين (أي للعالم أجمع). ولذلك نقول في صلاة القداس الإلهي عن السيد المسيح (... الذي أظهر لنا نور الآب).
وهناك دليل آخر من القرآن أيضا في:
2- سورة القصص:
(فنودي من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين)
يتضح من ذلك أن الله حل في الشجرة وخاطب موسى منها. فهل خلت السماوات والأرض من الله عند حلوله في الشجرة؟ كلا، بل كان الله غير المحدود مالئا الكون في الوقت الذي فيه كان متجليا في الشجرة.
وعلى هذا القياس فعند ما حل اللاهوت في الجسد البشرى لم يحده هذا الجسد وهكذا لم يخل منه الكون.
ولنا أيضا دليل ثالث من الأحاديث النبوية المذكورة في:
3- البخاري جزء 4 ص 68 :
يذكر البخاري حديثا مشهورا قاله النبي محمد: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة في السماء الدنيا (أي السفلية)، حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فأستجيب له".
فهل يقصد النبي من هذا الكلام أن السماء والأرض تخلوان من وجود الله عند ما ينـزل الله إلى السماء الدنيا؟
بالطبع كلا، بل الحقيقة هي أن الله موجود في كل مكان في السماء العليا وفي السماء الدنيا في نفس الوقت.
وهكذا عندما نقول نحن أن الله حل في جسد المسيح فإنه لم يخل منه مكان بل هو موجود في السماء العليا وفي السماء الدنيا وفي كل مكان في الأرض.