من الجائز أن يكون وقت الشدة هو وقت الضيقة ، وقت الألم ، أو ساعة التجربة 000000
ومن الجائز أن يكون يوم الشدة هو يوم الموت 0000
ومن الجائز أن تكون الشدة ، هى ساعة الوقوف أمام الديان العادل ، يوم الدينونة
فى ضيقتك الرب يذكرك ، وبخاصة إن لم يكن هناك حل 0
كلما تتعقد الأمور ، ويبدو أنه لا مخرج ، ينظر الرب ، ويريك أنه توجد عنده حلول كثيرة ، وقد جرب داود النبى هذه الشدة فقال : ( أبث لديه ضيقى ، عند فناء روحى منى 00 فى الطريق التى أسلك ، أخفو لى فخا 0تأملت عن اليمين وأبصرت ، فلم يكن من يعرفنى ، ضاع المهرب منى ، وليس من يسأل عن نفسى ، فصرخت إليك يارب ، وقلت أنت هو رجائى وحظى فى أرض الأحياء 0انصت إلى طلبتى ، فإنى قد تذللت جدا ) ( مز 141 )
إن عبارة (شدة ) تشمل كل محاربات الشياطين والناس الأشرار :
تلخصها الكنيسة فى قولها (كل حسد ،وكل تجربة ، وكل فعل الشيطان ، ومؤامرة الناس الأشرار ، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين ،انزعها عنا وعن سائر شعبك )
وضربات الشيطان لا تحصى ، وهو كأسد يزأر ، يجول ملتمسا من يبتلعه (1بط 5 : 8 ) يضرب ضربات اليمين ، وضربات اليسار ، يحارب الجسد بالشهوات ، كما يحارب العقل بالأفكار ، ويحارب الروح بالتجاديف والشكوك ، ويحارب بكل عنف ، وبلا رحمة 0وفى كل حروبه تقف الكنيسة إلى جوار كل ابن من أبنائها ، تهمس فى أذنيه ( يستجيب لك الرب فى يوم شدتك )
كذلك فى الدسائس والمؤامرات التى تقوم على الناس 0
تلك التى صرخ منها دواد قائلا (يارب لماذا كثر الذين يحزنوننى كثيرون قاموا على 0كثيرون يقولون لنفسى : ليس له خلاص بإلهه )
(مز 3 ) فى كل هذا يستمع هذه العبارة المعزية ( يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ) فيجيب داود
( الرب ناصرى ، لا أخاف من ربوات الجموع المحيطين بى القائمين على )
ووقت الشدة ، قد يكون أيضا ساعة خروج الروح من الجسد 0000واى شدة ؟!
فى ساعة خروج الروح من الجسد ، هناك من يقول (يارب ارحم ، يارب اغفر ، يارب اصفح ، يارب سامح ) إن مصيره سيتقرر ، وفترة اختباره قد انتهت ، لذلك يقول هذه الطلبة من كل قلبه ، من عمق أعماقه ، بكل صدق ، بكل توبة 000 ويستجيب له الرب فى يوم شدته 0وهناك من يطلب نفس الطلبة
ولا يستجاب لأنها ليست طلبة جدية ، وليست من القلب ، وليست عن توبة 0والله يعلم جيدا أن حياة هذا الإنسان لو امتدت على الأرض ، لبقى فى خطاياه
ومن الجائز أن يكون يوم الشدة ، هو يوم الصراع مع الخطية 00000
يوم تأتيك فيه الشدة من داخلك ، وليس من الخارج ، من فكرك ،من حواسك ، من شهواتك ، من طبعك
أو قد تأتيك من الداخل والخارج معا : فى الخارج حروب وعثرات ، وفى الداخل قبول واستجابة ، أو الداخل ضعف واستسلام وعدم قدرة على المقاومة 0000
وقد يكون يوم الشدة ، هو يوم كبريائك واعتزازك بنفسك ، أو يوم شكوكك ، أو يوم فتورك 000هو يوم شديد عليك روحيا 0000
فى هذه كلها تحتاج إلى معونة من فوق ، تحتاج إلى نعمة تسنـدـك ، وقوة من الروح القدس
تحتاج إلى صلوات قديسين كثيرين تسند ك فى جهادك وفى صراعك ، لكى تقاوم حتى الدم ، مجاهدا ضد الخطية (عب 12 : 4) عالما انك لا تجاهد وحدك ، وإنما الرب معك فى يوم شدتك حتى لا تسقط
ومن الجائز أن تؤخذ هذه الطلبة بمعنى آخر 000
فعبارة (يوم شدتك ) قد تعنى الحياة كلها ، إن كانت كلها ألما 0
إن السيد المسيح نفسه ، قد قيل عنه انه ( رجل أوجاع ومختبر الحزن ) ( أش53 :3 ) ،
(أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها ) ولم تفارقه الشدائد أبدا 0
على أية الحالات ، أيا كانت الشدة ، نوعها ، أو مدتها ، فاطلب الرب وهو يستجيب لك فى يوم شدتك
ومن جهة الرب ومشاعره المملوءة حنوا من نحو البشر ، ما اجمل قول الكتاب :
( فى كل ضيقهم تضايق ، وملاك حضرته خلصهم ) ( أش 63 : 9 )
ملاحظات على الاستجابة:
1- أول نصيحة نقدمها لك ، لكيما تصل إلى الاستجابة هى :
اعمل ما يساعد على الاستجابة ، إذ لا شك عليك دور :
لا تنم مغمضا عينيك ، ثم تصرخ ( يارب استجب ) إنما اعمل مع الله ، لاجل نفسك ، فتتم الاستجابة 00
قد تطلب وتعاتب الرب لماذا لم يعمل ، ويكون السبب هو أنك أنت لم تعمل معه 000
إن استجابة الرب لك ، ليس معناها تراخيك وتكاسلك 000
جاهد إذن واتعب ، وابذل كل ما تستطيع 0 اعمل مع الله اشترك مع الروح القدس 0 سلم إرادتك كلها 0 واذكر قول الكتاب :
(ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة ) ( أر48 : 10 )
لذلك فى بعض الأحيان يكون عدم الاستجابة ، ليس سببه الله وإنما نحن 0 نحن الذين كنا السبب فى وقوعنا فى الشدة بتصرفاتنا الخاطئة 0 ونحن الذين كنا السبب فى عدم الاستجابة ، بعدم وضع أيدينا مع الله فى العمل للخروج من هذه الشدة 0لم نكن أقوياء القلب ، ولا أشداء فى الإيمان ، ولا نشطاء فى العمل الإلهى 0 لم نسهر معه ساعة واحدة ، ولم نلق شباكنا فى الأعماق كما أمر ، ولم نسر معه تحت السحابة ، ولم نلطخ أعتاب أبوابنا بدم الفصح كما أمر ، ولم نلبس سلاح الله الكامل ( أف 6 )
2- ربما تحـتاج الاستجابة أحيانا إلى صبر وانتظار للرب 000
قد يكون الله قد حدد وقتا للاستجابة – حسب حكمته – ولم تأت ساعته بعد 0 وعلينا أن ننتظر ، ولكن ليس فى قلق أو ضيق أو يأس ، وإنما كما قال داود النبى ( انتظر الرب 0 تقو ، وليتشدد قلبك ، وانتظر الرب ) وقد حكى خبرته الشخصية فى ذلك فقال ( انتظرت نفسى الرب من محرس الصبح حتى الليل ) إن الرب لابد سيستجيب ، ولكن فى مل الزمان
لقد استجاب لابينا إبراهيم ، ولكن بعد زمن ، حورب فيه ابرآم باليأس فأخذ هاجر ، وضحكت سارة فى قلبها من إمكانية تحقيق وعد الرب ( تك 18 : 12 ) ولكن وعد الرب تحقق على الرغم من طول المدة
ولعلنا نلاحظ أن الأبناء الذين سمح الله بولادتهم بعد عقر وعقم ، وبعد انتظار طويل لاستجابة الرب ، كانوا كلهم من نوعيات طيبة جدا : سواء اسحق الذى حمل حطب المحرقة ، أو صموئيل الذى مسح الملوك بقنينة الدهن ، أو يوحنا المعمدان أعظم من ولدته النساء أو يوسف الصديق مثال العفة والنجاح الذى أخذ سبطين ضعف أخوته 00000
صلاتك التى تصليها ، تأكد أنها محفوظة عند الرب ، لم تضع 0
إنها مخزونة عنده ، سيحققها ما دامت توافق مشيئته ، ولكن فى الحين الحسن 0تماما مثل بذرة تودعها الأرض ، وتظل أياما وأسابيع ، وربما شهورا ، دون أن تجد شيئا قد نبت منها على وجه الأرض ولكنها لم تمت مطلقا هى مخزونة ، فى حفظ أمين ، تنتظر عوامل الإنبات ، أو موعد الإنبات ، أو قد تكون فترة نضوجها طويلة ، مثل نواة النخيل مثلا ( نقاية البلح ) ربما تستمر بضعة شهور تحت الأرض وبعد ذلك ترى شيئا مثل سن الدبوس فوق سطح الأرض ، يكون هو بدء حياة النخلة المقبلة فوق سطح الأرض 0لذلك حسنا أن تضع البذرة فى الأرض ، ولا تقلق على موعد ظهورها ، ولا تستعجله 0000هكذا أيضا فى صلاتك واستجابتها 0
صلاتك قد سمعها الله 0هى فى فكرة وفى قلبه ، وفى إرادته أيضا 0 أتركها أذن ولا تقلق على استجابتها
يكفيك أنها دخلت إلى حضرة الله 0يكفيك أن الله قد سمعها 0وعن هذا الأمر فقط كان يصلى داود أحيانا ( يارب استمع صلاتى ) ( فلتدخل طلبتى إلى حضرتك )
ما دام الرب قد سمع الصلاة ، اطمئن إذن 0
3- الأمر إذن يحتاج إلى إيمان ، بأنه إذا سمع استجاب 0
كان داود النبى يفتخر بهذا الأمر ، ويؤمن بهذه الاستجابة ، وهو مازال واقفا يصلى 0فهو فى المزمور السادس ، يبدا صلاته بقوله ( يارب لا تبكتنى بغضبك ، ولا تؤدبنى بسخطك 0 ارحمنى يارب فإنى ضعيف 0 اشفنى فان عظامى قد اضطربت ، ونفسى قد انزعجت جدا ) ولكنه يقول فى آخر صلاته
( ابعدوا عنى يا فاعلى الإثم ، لان الرب قد سمع صوت بكائى ، الرب سمع تضرعى ، الرب لصلاتى قبل ( مز6 ) لقد وثق – وهو يصلى – من سماع صلاته ومن قبولها ، لذلك انتهر أعداءه الشامتين به 0
فى وثوقه بالاستجابة ، كان يقول ( بصوتى إلى الرب صرخت ، فاستجاب لى من جبل قدسه ) ( مز 3 ) ليتك تردد هذه الآية من المزمور لتعطيك عزاء 0
لذلك ما كان داود يكلم الله فقط ، إنما كان يكلمه ويسمع صوته ، أعنى يسمع صوت استجابته
بالإيمان 0
أنظروا إليه ماذا يقول ؟ ( إنى اسمع ما يتكلم به الرب الإله لانه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه وللذين رجعوا بكل قلوبهم )
ما أكثر الأمثلة التى تحملها المزامير عن هذه الخبرة الروحية فى استجابة الرب ، وفى ثقة المصلى بهذه الاستجابة 0 الآن مجال سرد هذه الأمثلة 0فلننتقل إلى نقطة أخرى
4- ما أكثر الحالات التى يستجيب فيها الرب ، دون أن تطلب
إن الله كأب ، يعرف احتياجات أبنائه 0 يعرف ضيقاتهم وشدتها وحاجتهم إلى الخلاص ، لذلك فهو يستجيب أحيانا للشدة التى هم فيها ، وليس فقط للصلاة بسبب الشدة 0 انه أرسل موسى النبى لخلاص شعبه المستعبد من فرعون ، دون أن يطلب هذا الشعب الخلاص من العبودية 00000
إن الأجرة المبخوسة التى يأخذها الفعلة الحصادون ، تصرخ إلى الله ، قبل صياح الحصادين
(يع 5 :4 ) وحتى إن الله لم يصرخ الحصادون ، فان الظلم نفسه يصعد إلى الله
( والرب يحكم للمظلومين ) (مز 145 ) حتى دون أن يصرخوا إليه 0 الرب يصنع العدل على الأرض ، ويقيم الميزان بين الناس ، ولا ينتظر منهم أن يقدموا الشكاوى 0000انه يعرف 000000
بل هناك شدائد ينقذك الله منها أن تعرفها 0 كانت تدبر ضدك ، والرب رأى من سمائه ، وأفسد تدبير أعدائك دون أن تعلم به ، وبالتالى دون أن تصلى 0
إذن الرب يستجيب لحاجتك ، قبل أن يستجيب لصلاتك
هو يعرف حاجتك ، ويعطيك إياها دون أن تطلب 0 كما يفعل الأب مع أطفاله ، والطفل لا يعرف أن يطلب
ويقول المزمور ( حافظ الأطفال هو الرب ) وكما يفعل الراعى الأمين مع الخروف الضال ، يبحث عنه ، وينقذه مما هو فيه ، ويرجعه إلى حظيرته ، دون أن يطلب 0 مجرد حالته تحتاج إلى استجابة 00000
بنفس الوضع ، يستجيب الله لحالة الأرض ، ينزل لها من السماء ما تحتاجه من المطر ، ويشرق عليها بما تحتاجه من الضوء والحرارة ، دون أن تطلب 0
5- إن أسلوب الاستجابة من الشدة يختلف عند الله من حالة إلى أخرى :
فهناك حالات يستجيب لها الرب استجابة فورية ، فى نفس لحظة الطلب ، حالات لا ينفع معها الإبطاء ، كحالة بطرس حينما سقط فى الماء ، وكحالة الثلاثة فتية فى أتون النار ، ودانيال فى جب الأسود ، وكشق البحر الأحمر ، وضرب الصخرة لكى تفجر ماء 0
وهناك حالات تأخذ بعض الوقت ، كبقاء يونان فى جوف الحوت ثلاثة أيام وكإنزال المطر من السماء فى الصلاة السابعة لايليا النبى ، وليس من أول صلاة 0وهذا المثال يعلمنا اللجاجة فى الصلاة 0
وهناك أمثلة أخرى تأخذ زمنا طويلا ، وتعلم الصبر ،مثل الاستجابة لإبراهيم فى إعطائه نسلا من سارة
هذا من جهة الوقت ، أيضا يوجد تمايز من جهة النوعية فى استجابة الرب للصلوات ، ويتوقف هذا الأمر على حكمة الرب ونظرته إلى الأمور 0000
وماذا أيضا ؟ 0000
6- توجد استجابة ، يقصد بها الرب أن يمنح المصلى إكليلا 0
أو أن يمنحه الرب أمجادا من هذه الشدة ، كما فعل الرب مع الشهداء والمعترفين وأبطال الإيمان 0 فعبارة ( يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ) معناها أن الرب سيمجدك فى الشدة ويقبلك أمامه كمحرقة
المحرقة التى توضع على النار وتظل النار تعمل فيها ،حتى تصعد إلى الله رائحة طيبة ، يتنسم منها الله رائحة الرضا ( لا 1 ، 6 ) كحفنة بخور فى المجمرة 0 وظلت النار تشتعل فى البخور ، إلى رائحة سرور ، وصعد إلى الرب وظل يحتمل الشدة إلى آخر حبة من حباته ، إلى آخر نسمة من نسماته
هنا لا يحدث مطلقا أن تتمرد حبات البخور على النار 0بل إن بعدت حبة منها ، نأتى بالمستير ، بملعقة البخور ونقربها إلى الجمر لتحترق ، لان مجدها فى احتراقها 0 رسالتها هى هذه أن تقدم ذاتها رائحة زكية فى الكنيسة ، وأن تصعد إلى فوق واستجابة الرب لها تعنى قبولها كمحرقة ، قبولها كرائحة طيبة
قبولها كمستحقة للأكاليل وللأمجاد المعدة 0
هذا المثال لقديسين كبار ، من نوع معين ، ليس للكل 0000
إن استجابة الرب للشهداء فى يوم شدتهم ، لم تكن بإنقاذهم من الاستشهاد ، إنما كانت بإعطائهم الاحتمال فى آلامه ، والقوة على إتمامه ، لكى ينالوا المجد المعد لهم 0وكما تألموا معه ، يتمجدون أيضا معه 0
والسيد المسيح وهو على الصليب ، فى يوم شدته ، استجابة الآب له لم تكن فى إنقاذه من الصليب ، مثلما صاح المتجمهرين ، إنما كانت الاستجابة فى قبوله كذبيحة حب ، كفارة عن خطايا العالم ، وفى تمجيده باعتباره الفادى الذى فدى العالم كله 0ولذلك قال الرب فى طريقه إلى الجلجثة
(مجدنى أنت أيها لآب عند ذاتك ، بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم ) ( يو 17 : 5 ) فى كل شدة ، الرب يستجيب ، بالطريقة التى تناسب حكمته ومحبته 0
وما دام الرب يستجيب لك ، إذن لا تضطرب ولا تقلق 000000
ليمتلئ قلبك سلاما ، وافرح فى صلاتك 0تصور أن داود النبى يربت على كتفك ، وأنت تصلى مزامير الساعة الثالثة ، ويهمس فى أذنك قائلا ( يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ) وأنت بكل فرح وطمأنينة تقول مبارك أنت أيها الرب فى وعودك الصالحة ، وفى وعودك الصادقة الأمينة
أنا يارب سأتمسك بهذه العبارة ، كلما أقع فى ضيقة ، وأحاججك بها 00000
ألم تقل ( هلم نتحاجج ) ليكن 0 أنت وعدت بأن تستجيب فى وقت الشدة ووعدك صادق وأمين ، وأنا متمسك به ، بكل إيمانى ويقينى وثقتى بك كاله محب للبشر ، وكاله إذا وعد لابد ينفذ 000
يقول المزمور ( يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ، ينصرك اسم اله يعقوب ) فما هى أعماق هذه العبارة الثانية :
[center]