فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله أبا ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح . لأنه سترنا وأعاننا وحفظنا وقبلنا إليه وشفق علينا . وعضدنا وأتي بنا إلى هذه الساعة . هو أيضاً فلنسأله أن يحفظنا في هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا بكل سلام . الضابط الكل الرب إلهنا .
أيها السيد الرب الإله ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ، نشكرك على كل حال ، ومن أجل كل كال وفي كل حال ، لأنك سترتنا ، وأعنتنا ، وحفظتنا ، وقبلتنا إليك ، وأشفقت علينا ، وعضدتنا ، وأتيت بنا إلى هذه الساعة . من أجل هذا نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر ، امنحنا أن نكمل هذه اليوم المقدس وكل أيام حياتنا بكل سلام مع خوفك . كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان ومؤامرة الناس الأشرار ، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين . انزعها عنا وعن سائر شعبك وعن موضعك المقدس هذا . أما الصالحات والنافعات فارزقنا إياها ، لأنك أنت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو . ولا تدخلنا في تجربة . لكن نجنا من الشرير . بالنعمة والرأفات ومحبه البشر التى لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . هذا الذي من قبله المجد والإكرام والعز والسجود تليق بك معه مع الروح القدس المحيى المساوي لك الآن وكل أوان .
إننا نبدأ صلواتنا بالشكر ، لأن إحسانات الله علينا في الماضي كثيرة جداً . قبل أن نطلب جديداً ينبغي أن نشكر الله على إحساناته السابقة . وكما قال ماراسحق " ليست موهبة بلا زيادة ، إلا التي بلا شكر " .
والله ليس محتاجاً إلى شكرنا ، ولكننا نحن المحتاجون أن نشكر الله . كلما نشكر الله نتذكر إحسانات الله . وكلما نتذكر إحساناته ، نشعر ونتأكد من حبة قلبه لنا . وكلما نتأكد من محبته ، تزيد الصلة بيننا وبينه . وهكذا نستفيد .
كما أن شكر الله وتذكر إحساناته يشجعنا أن نعيش في الرجاء . ونقول أن الذي حافظ علينا في الماضي . يحافظ الآن والذي ستر في الماضي ، يستر الآن . على رأي كاهن عجوز في الصعيد كان دائماً يصلي ويقول : " اللي قضي مضي يقضي ما بقي " . أي إن الذي ساعدنا على أن نقضي ما مضي من أيامنا ، يجعلنا نقضي ما بقي منها . فنحن نحاول أن نتذكر إحسانات الله إلينا ، لكي يكون لنا رجاء في المستقبل .
داود النبي كان باستمرار يذكر إحسانات الله إليه .
ليتكلم تحفظون المزمور 103 " باركي يا نفسي الرب ، وكل ما في باطني يبارك أسمه القدوس ، باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته ... " فهو يطلب أن تبارك الرب فليبارك الله من أعماق قلبه ، من داخله قائلاً " كل ما في باطني فليبارك إسمه القدوس " .
إننا نبدأ صلواتنا بالشكر ، وليس بالطلب ، لئلا يظن أنه لولا الطلب ما كنا نصلي ! أو أن صلواتنا صلاة منفعة ! لكننا نقول له قبل أن نطلب منه شيئاً : إننا مغمورون يارب بأحساناتك . فضلك علينا كثير . حتى إن كنت لا تعطينا الآن شيئاً ، يكفي ما مضي من إحساناتك علينا . إنها تكفي .
ونحن نشكر الله في شعور بعدم الاستحقاق . الشخص المنسحق النفس ، هو الذي يستطيع أن يشكر . لماذا ؟ لأن الإنسان المتكبر ، يظن في الخير المحيط به أنه هو أهل له ، وأنه يستحق نتيجة أعماله ، ونتيجة لجهاده . وقد ينسب كل الخير المحيط به إلى نفسه .
إذا نجح في إمتحان يقول : أنا ذاكرت هذه السنة وتعبت وإن كان في صحة ، ينسبها إلى عنايته بنفسه . وإن كان غنياً ، يقول حسن أنني اكافح في الحياة ، لذلك أتمتع بتعب يدي ، إنه ينسب الخير كله إلى نفسه .
أما المنسحق القلب ، فيشعر أنه لا يستحق شيئاً ، القليل الذي معه ، يشكر عليه كثيراً جداً . يقول له : يارب أنا لا أستحق كل هذا ! تخجلني نعمتك ومحبتك ، وإحساناتك . فلو عاملتني حسب استحقاقي ، لكنت أشابه الهابطين في الجب .
إن الذي يستطيع حقاً أن يشكر هو الإنسان المنسحق .
هناك أشخاص حياتهم كلها تذمر ، حياتهم كلها تضجر .
مهما أعطاهم الله ، لا يشكرون ، ومهما أخذوا ، لا يباركون الرب . باستمرار في تضجر وتذمر . لاحظوا أن أبوينا الأولين كان عندهم خيرات الجنة كلها . ومع ذلك لم يكتفيا واشتهيا الشجرة الباقية
فالشكر ينشأ داخل القلب . على رأي ماراسحق " الذي لا يشكر على درهم واحد ، كاذب هو إن قال إنه يشكر على ألف دينار " . الشخص الذي لا يشكر على القليل لا يمكن أن يشكر على الكثير ، لأن عنصر الشكر غير موجود في قلبه .
حياة الشكر هي حياة رضا . إنسان قلبه راض ومستريح على الوضع الذي هو فيه . يقول له يارب أشكرك . مجرد بقائي كما أنا ، مجرد أني سائر على قدمي ، إنما هو نعمة عظيمة من عندك .
إن كنا لا نشكر ، فذلك لأننا لا نري ! لا نبصر إحسانات الله ! لأن عيوننا ترفض أن تبصر . لو كنا نري ما يحيط بنا نعم لكانت حياتنا كلها لا تكفي للشكر . فعلي الأقل وكل صلاة من صلواتنا نبدأها بالشكر . نشكر ربنا الذي خلقنا وأوقفنا قدامه . وأعطانا فرصة لكي نصلي ، وقلباً منتفخاً للصلاة ، وجعلنا مستحقين أن نرفع أيدينا إلى فوق .
ماذا نقول في صلاة الشكر ؟ نقول :
سبب الشكر هو أن الله صانع الخيرات ، الذي لا يؤمن أن الله صانع الخيرات ، لا يمكن . يلزمنا – لكي نعيش في حياة الشكر – أن نؤمن أن الله صانع الخيرات .
الله دائماً يعمل خيراً ، لا يستطيع أن يعمل ، ولا يعرف أن يعمل إلا الخير . كل ما يعمله خير . " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الرب " ( رو8 : 28 ) السالك في محبة الله يري كل ما يحدث له خيراً .
فلنشكر صانع الخيرات ... نحن نشكر الله دائماً يصنع خيراً . صنع خيراً معنا في القديم ، ومازال يصنع معنا خيراً ، وسيصنع معنا خيراً في المستقبل . يصنع معنا الخير ونحن في برنا ، ونحن أيضاً في خطيتنا ، في دنسنا ووحلنا وقذارتنا . الخير الذي فيه لا يتوقف على بر فينا . هو يصنع الخير من أجل طيبته وحنانه وبره وصلاحه ، وليس من أجل استحقاقنا أو من أجل برنا .
والخير الذي يعمله الله هو خير في ذاته ، حتى لو كان يبدو لنا متعباً . أولاد الله يقبلون كل شئ من يده كخير ، مهما يبدو ذلك متعباً في ظاهرة .
مريض يذهب إلى الطبيب فيعطيه دواء حلو المذاق ، يشربه ويقول إنه خير . وحتى إن أعطي له دواء مر الطعم ، يشربه ويقول هذا أيضاً خير . لا يهم إن كان الدواء حلواً أو مراً . المهم أنه مادام من يد الطبيب ، فلابد أن يكون خيراً .
نحن نشكر الله لأنه لا يصنع إلا الخير . فالشر دخيل على العالم . عندما خلق الله المسكونة كلها ، " نظر إلى كل ما فعله وصنعه ، فإذا هو حسن جداً " ( تك1 : 31 ) قد ينظر أناس إلى بعض مخلوقات الله على اعتبار أنها ضارة أو متعبه ! وهو لا يعرف الخير الذي فيها . كل شئ صنعه الله له خير معين ، ادركناه أو لم ندركه .
قرأت منذ سنوات طويلة بحثاً للقديس جيروم عن فوائد الحشرات والحشائش التي تبدو لنا ضارة . لأن إنساناً سأله :
" مادام الله يحب الخير ، فلماذا خلق الخنافس والصراصير والعقارب والثعابين والأعشاب المرة " فكتب له بحثاً عجيباً عن فوائد هذه الأمور ، وشرح بعض فوائدها من النواحي الطبيعة ، فتعجب أنه يوجد على بهذا الشكل في زمن جيروم في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس ! فعلي الأقل في أيامنا هذه ، لابد أن نعرف أكثر ...
لو حاول كل إنسان أن يبحث عن الخير الموجود في أعمال الله . لكان يستريح . ففي كل مشكلة تصادفه يسأل نفسه : ما هو الخير الذي فيها ؟ ولماذا سمح الله بها ؟ أليس بسبب الفائدة ؟ طبعاً ، هناك فائدة عرفناها أو لم نعرفها ...
حتى الناس الأشرار الذين يبعثهم الله إلى طريقك ، فيهم خير وفائدة . ربما يعطونك فضيلة معينة ... الشخص الفاضل يعطيك قدوة صالحة . والشخص الشرير يعطيك فضيلة الاحتمال ، فضيلة محبة المسيئين والأعداء ، يعطيك فضيلة سعة الصدر ، لا أحد في الدنيا ليست وراءه فضيلة ... الأب العطوف يعطيك حناناً ، والأب القاسي يعطيك تربية وحزماً ويخرجك إلى الحياة متيبناً غير مدلل ...
فلنشكر صانع الخيرات ... الله يصنع خيراً . حتى لو فعل الناس بنا شراً ، فإن الله يحول الشر إلى خير . لأن الله رحوم .
الرحمة صفة من صفات الله التي تجعله يشفق على الإنسان ويحسن إليه . والرحمة طبع فيه . لا تظن أن الله يحسن إليك كمجرد مكافأة على عملك . إنه يحسن إليك لأنه رحوم حنون ، قلبه طيب ... طبيعته هكذا ...
" فلنكشر صانع الخيرات الرحوم الله " . حينما تذكر ، اذكر أيضاً أن المفروض فيك أنك صورة الله ومثالة ، فالله خلقنا على صورته . إن كان صانع خيرات ، مفروض فينا أن نكون مثله ، كل واحد فينا صانع خيرات . إن كان الله رحوماً مفروض فينا أن نكون نحن أيضاً رحومين ، لأننا نحن أولاد الله ، ولابد أن نشبه أبانا السماوي ..
اسأل نفسك أثناء الصلاة هل أنا يارب على صورتك ومثالك ؟ وهل أنا مثلك اصنع الخير باستمرار ؟
أنت تصنع الخير مع كل أحد . تشرق على الأشرار والأبرار ، وتمطر على الصالحين والطالحين . وتشبع كل حي من رضاك . فهل أنا أيضاً أصنع خيراً مع الحبيب والعدو والصالح والشرير . أم أنني في صنع الخير ، أتأثر بمعاملات الناس وطباعهم ؟!
كلمة لطيفة قيلت عن السيد المسيح ، ليت كل منا يضعها أمامه كشعار له . قيل إنه " كان يجول يصنع خيراً " ( أع10 : 38 ) . يعمل خيراً مع كل أحد . أنا أتصور أن كل إنسان عاشر المسيح ، لابد أن يكون نال منه خيراً . حتى الذين هلكوا في خطاياهم ربما حياتهم كانت ستؤول إلى أسوأ ، لولا أنهم رأوا المسيح .
بيلاطس البنطي رأي المسيح في يوم ، في جزء من يوم . ومع ذلك تأثر به تأثيراً عجيباً . وارتعش أمامه وهو الوالي . وخاف وبذل كل المحاولات التى يستطيع جبنه أن يبذلها ، لكي ينقذ المسيح . وغسل يديه وقال لست أدري علة في هذا البار !!
المسيح حتى ساعة صلبه صنع خيراً وهو مسمر على الصليب : صنع خيراً مع اللص اليمين فوعده بالفردوس . وصنع خيراً بيوحنا ، فأعطاه بركة وجود العذراء في بيته . وصنع خيراً بالبشرية كلها ففداها .. صنع خيراً بقائد المائة ، الشخص الذي ضربه بالحربة ، فآمن به بعد صلبه ... صنع خيراً بكل أحد . المسيح كان يجول يصنع خيراً . وأنت يا أخي . هل تجول تصنع خيراً ؟ الحياة المسيحية ليست حياة سلبية . أعني أنه لا يكفي أن تقول أنا اليوم لم أعمل خطية ... هذا من الناحية السلبية . إنما من الناحية الإيجابية إسال نفسك ما هو الخير الذي فعلته في هذا النهار ؟ ما هو الخير الذي فعلته مع كل إنسان قابلني ؟
مفروض أن كل إنسان يقابلك ، تعمل معه خيراً . ليس المطلوب منك أنك تبحث ما هي الخيرات التي أخذتها أنت ؟ بل تسأل ما هي الخيرات التي أعطيتها لغيرك ؟
فلان قابلني . ما هي المنفعة التي أعطيتها له ؟ هل تحدثت معه حتى مل من حديثي ؟ أم أعثرته بكلام عن سيرة الناس ؟ فلان قعدت معه . وفضلت أمسك سيرة وملأت أذنيه بالخطايا . ما هو الخير الذي عملاته مع كل أحد ؟ هناك إنسان تعطيه كلمة منفعة ، وإنسان تعطية قدوة صالحة . وإنسان تعطية بركة – مساعدة – ابتسامة – كلمة حلوة – محبة – معونة في أي شئ – تنقذه من مشكلة – تعطي له نصيحة – تريح نفسيته – تعزية .
اعمل خيراً . ينبغي أن تجول تصنع خيراً . كما كان سيدك . هذا هو المفروض فيك ، حتى إذا قلت " فلنشكر صانع الخيرات " تكون إبناً يشابه أباه في هذه الصفة . أريد أن يكون هذا تدريباً ننفذه في الأسبوع المقبل : كيف نكون صانعين للخيرات ، في كل يوم يمر بنا ، ومع كل أحد يلتقي بنا . بحيث لو قابلك أحد ، ولم تصنع معه خيراً ، توبخ ذاتك على تقصيرك .
أما إذا كنت يا أخي لا تستطيع أن تصنع خيراً ، فعلي القليل قف في مكانك ، ولا تصنع شراً بأحد .
" فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله " . لذلك مفروض أنك تكون رحوماً . طوبى للرحماء ، فإنهم يرحمون . ولما تكون حنوناً على الناس ، يكون الله حنوناً عليك ، فالكتاب المقدس يقول " بالكيل الذي به تكيلون ، يكال لكم ويزاد . فإذا كنت أنت تكيل للناس بالرحمة ، ربنا يكيل لك بالرحمة ، ويزيدها . وإذا كنت تعامل الناس بالقسوة تأخذ قسوة وأكثر . بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزداد .
إذن كن طيباً مع كل أحد . وزع حنانك محبتك ، على كل أحد ، اجعل كل أحد يباركك ، وكل أحد يحبك ، وكل أحد يشعر أن لك قلباً واسعاً يستطيع أن يسكن فيه ويستريح .
نحن نشكر صانع الخيرات الرحوم . نشكره أنه هو الله أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . شكرنا له باعتباره أنه هو الله نتذكر فيه أن الله هو خالق كل شئ ، وكل شئ في يده . كون أن الله كامل القدرة ، كامل الإمكانية ، في إمكانه أن يعمل كل ما يريد ، هذا يجعلنا نشكره على يده القوية في حياتنا ، كإله . نشكره لأنه هو الذي خلقنا ، وهو الذي يعرف احتياجاتنا ، الله يعرف أننا نحتاج إلى هذه كلها قبل أن نطلب ودون أن نطلب لأنه هو الله .
في قولنا هذا ، نتذكر أن الله الذي نصلي له ، هو محب للبشر جداً ، لدرجة أنه بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ، فنقول له نشكرك يا الله لأنك أنت أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . نشكرك لأنك أبو الحنان ، وأبو الفداء ، وأبو المسيح إلهنا الذي خلصنا بدمه .
مجرد أننا نتذكر كلمة المسيح إلهنا ومخلصنا ، يجعلنا نمتلئ بالشكر ،؟ لأن اسمه يذكرنا بالخلاص ، بالفداء ، يذكرنا أن الله أخلي ذاته ، وأخذ شكل العبد ، وصار في الهيئة كإنسان ، لكي يخلصنا جميعاً . ونذكر الخلاص العظيم الذي تعجب منه الرسول قائلاً : " فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره " ( عب2 : 3 ) نقول له نشكرك يا الله أبو ربنا ولهنا ومخلصنا يسوع المسيح ، لأنك أحببتنا حتى المنتهي . فإذا كان حبك وصل لدرجة أنك بذلت إبنك عنا ، فكم بالأولي الأمور التافهة التي نطلبها ؟
لماذا نشكر ؟!
نشكره أولاً لأنه سترنا . ما معنى أنه سترنا ؟ أى أنه لم يفضحنا ، و لم يكشفنا أمام الناس ، لم يظهر عيوبنا أمام كل أحد . هنا نبدأ معترفين أننا خطاه نحتاج إلى ستر .
إن الناس لو عرفوا شيئاً بسيطاً عن عيوبنا ، لاحتقرونا و أتعبونا و سخروا بنا 0 فكم بالأولى لو عرف الناس جميع أفكارنا ، و جميع تدابيرنا الخفية ، و جميع شهواتنا و خطايانا ، التى نعملها و لا يعرف بها أحد !!
أحياناً يرتكب إنسان خطأ ، و يخاف جداً أن يعرفه شخص آخر ، و يخجل من ذلك إلى أبعد حد . و يفكر يا ترى هل عرفت فلان أم لم يعرف ؟ و إن كان الخبر لم يصل له يقول : " اشكرك يا رب لأنك سترت هذه الغلطة ، و لم تجعلها مكشوفة " .
فكم بالأولى الله الذى سترنا فى كل شئ . هو يرى كل عيوبنا ، و يصمت و يحتملنا . أم الناس فإنهم لو عرفوا عيوبنا لا يرحمونا . حقاً " أقع فى يد الله و لا أقع فى يد إنسان ، لأن مراحم الله واسعة " (2صم14:24) 0
الله يرى كل العيوب ، مع أنه قدوس ، لا تتفق الخطية مع طبيعته . و مع ذلك فهذا القدوس الذى لا حدود لقداسته يرى كل الخطايا ، و يسكب . لكن الإنسان الخاطئ – الذى يقع هو أيضاً فى الخطيئة – لو رأى خطايا الناس ، لا يسكت . و لو رأى و لو حتى 1/1000 من خطايانا لا يرحم !
لذلك نحن نشكر الله لأنه سترنا " ليس خفى إلا و يعرف و لا مكتوم إلا و يستعلن " (متى26:10) . و مع ذلك لم يشأ الله أن يعرف الناس بخطايانا ، و لا أعملها للآخرين ، و مازال يستره .
حتى فى خطايانا التى نعترف بها ، من حنو الله العظيم ، قال إن الاعتراف بالخطايا يكون سراً على شخص واحد فقط ، و هذا الشخص مقيد بقوانين كنسية لا تسمح له أن يقول حرفاً منها حتى لو ذبحوه لا يبوح به . ما أعجبك يارب . إلى هذه الدرجة تخبئ خطايانا و تحجبها و تسترها ؟!
و كأنه يقول : حينما تعترفون بخطاياكم ، نلقى عليها ستراً فلا تظهر . و أنا قابل هذا الإعتراف البسيط الذى يعرفه شخص واحد لذلك نحن نشكره لأنه سترنا .
إنه يعرف أننا لا نحتمل الانكشاف و الفضائح ، فسترنا . سترنا أمام الأعداء الذين يشمتون بنا ، سترنا و نحن نكسر وصاياه و نجدف عليه .
عندما نتذكر هذا ، و نشكر الله على الستر و التغطية ، ينبغى أن يجول بفكرنا ما نكشفه من خطايا الناس ...
و كيف أننا نكشف و نعلن خطايا أخوتنا و خطايا كل أحد !! الكتاب المقدس يقول " الكيل الذى به تكيلون ، يكال لكم و يزداد " (مر24:4) . إذا كنت تريد أن الله يسترك ، خبئ أنت أيضاً خطايا أخيك الإنسان . الله يستر و هو قدوس ، أفلا يليق أن تستر خطايا ؟أخيك و أنت خاطئ مثله ؟ لأنك لو كشفت خطايا الآخرين تكون فى خطر أن يكشف الله خطاياك . و المثل يقول :
" من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة " فنحن ؟أناس كلنا عيوب ، و ربنا يسترها عن أعين الناس ، فلنشكره على ذلك . و بدورنا نحن أيضاً يجب أن نستر على خطايا الناس . يوحنا ذهبى الفم يقول " أن كنت لا تستطيع أن تأخذ خطيئة غيرك و تنسبها إلى نفسك ، و تحتمل الذنب بالنيابة عنه ، و تضحى بذاتك من أجل خطيته ، فعلى الأقل اصمت و لا تكشف خطايا الناس " .
" إن كنت لا تستطيع أن تسد فم الذى يتكلم على أخيه بالسوء ، فعلى الأقل سد فمك أنت، و لا تتكلم على أخيك بالشر " ...
يقول المزمور " يارب من يسكن فى مسكنك أو من يصعد إلى جبل قدسك إلا السالك بلا عيب ، الفاعل البر ، الذى يتكلم بالحق فى قلبه ، و لا يغش بلسانه ، و لا يفعل بقريبه سوءاً ، و لا يقبل عاراً على جيرانه . " (مز15) . إذن مجرد قبول العار على جيرانه ، مجرد سماع كلمة اساءة عليهم ، أمر ردئ . فإذا فعل ذلك أحد أمامك ، قل له " نشكر الله لأنه سترنا ... فمثلما سترنا ، يجب علينا نحن أن نستر الناس الآخرين " .
آدم حاول أن يستر نفسه بأوراق التين و لم تنفع . لم تستطع أوراق التين و لا أغصان الشجر أن تخفيه . ظل عرياناً أختبأت " . إنك لم تعرف أن تستر نفسك يا آدم ، و لا حواء أيضاً ... أعرف إذن أن الله هو الذى يسترنا . نشكره لأنه سترنا .
الله عجيب بشكل لا يوصف ، نحن نعتدى عليه و نكسر وصاياه ، و هو يخبئ و يستر ! أما نحن فدائماً نشتكى و نتذمر ، و فى الشكوى و التذمر نكشف خطايا الناس و عيوبهم و ضعفاتهم ، و لا نحتمل ...
شخص مثل أيوب الصديق ، قطعاً كانت له ضعفاته و أخطاؤه ، لأن " الجميع زاغوا و فسدوا و أعوزهم مجد الله ، ، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد " (مز14) 0 كان شيطان المجد الباطل يزحف قليلاً قليلاً إلى قلب أيوب . و مع ذلك لما وقف الشيطان أمام الله ، قال له الرب " هل جعلت قلبك على عبدى أيوب . رجل كامل و مستقيم و يفعل الخير و يحيد عن الشر و ليس مثله " (أى8:1) 0
إلى هذه الدرجة ؟ أنت تعلم كل شئ ، تعرف المجد الباطل الذى يزحف إلى قلب أيوب ، و عارف أنه " بار فى عينى نفسه " (أى(أى1:32) و عارف أن قلبه منتفخ بالغنى و الثروة و البنين و القوة المحيطة به (أى29) . و مع ذلك تقول عبدى أيوب ليس مثله فى الأرض ، رجل كامل و مستقيم ، و يفعل الخير و يتقى الله و يحيد عن الشر ؟! ما أرحمك يارب كم تستر كثرة من الخطايا ؟!
و بعد ذلك نرى أيوب قد شق ثيابه و جز شعره ، و قال " الرب أعطى الرب أخذ " . و الرب لم يؤاخذه على جز الشعر و شق الثياب . و فى أول مقابلة له مع الشيطان بعد ذلك . قال له " هل وضعت قلبك على عبدى أيوب لأنه ليس مثله فى الأرض ، رجل كامل و مستقيم " (أى3:2) .
و نحن نسأل أيمكن أن يكون كاملاً و قد جز شعر رأسه ؟ و يجيب الرب نستر و نغطى .
هذا هو أسلوب الله ، أما نحن فإذا عرفنا غلطة عن واحد ، ننشرها فى كل مكان … ننسى الله الذى سترنا ، و نخبر حتى تراب الأرض بما حدث ، و كلما نقابل أحد نقول له : أم تسمع ؟ أم لم تعرف . ألم تدر ما جرى ؟ لم تر ما حدث ؟ و ما أكثر الكلام … و بعد هذا الكلام كله ، نقول فلنشكر صانع الخيرات لأنه سترنا !!
عجباً مادام قد ستر ، أستر أنت أيضاً . نحن نريد أن يكون الستر لنا فقط . نكون نحن مستورين ، و يكون غيرنا مكشوفين . الستر لنا نحن فقط ، أين الآية التى تقول : " تحب قريبك كنفسك " . أنت لا تحب أن نفسك تبقى مكشوفة . فكذلك لا يصح أن يكون مكشوفاً هو أيضاً .
فلنشكر صانع الخيرات لأنه سترنا .
إذا كنت يا أخى بدون عيوب تحتاج إلى ستر ، يمكن يكون لك حق أن تكشف غيرك . أما إذا كنت أنت نفسك تحتاج إلى تتغطى و تستتر ، فعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به …
عملية الغفران هى عملية تغطية ، عملية ستر ، الله تأخذ خطيتنا ، و يلقى ستراً عليها ، و يغطى عليها . و هذه هى الكفارة أى التغطية .
و الكافر فى اللغة العربية هو الشخص الذى يغطى نعمة الله فلا تظهر . و كانوا فى الأدب العربى القديم قبل الإسلام يطلقون كلمة " كافر " على الفلاح الذى يضع البذرة فى الأرض و يغطيها . فلما أتى الإسلام حددها فى معناها الحالى . حتى أن كلمة cover بالإنجليزية تعطى نفس المعنى ، أى يغطى . و كون أن الله يكفر عن خطايانا ، معناها أن الله يضع على خطيتنا دمه الفادى ، فتتغطى بالدم و لا تظهر لأحد ، و لا حتى أمام العدل الإلهى …
فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله … لأنه سترنا و أعاننا : و لولا معونته ، ما كنا نستطيع أن نتقدم خطوة واحدة . نحن كثيراً ما ننسى معونة الله . ننسى كثيراً عمل النعمة فينا . ننسى أن الله أعاننا لأننا ضعفاء ، و لا نستطيع أن نعمل شيئاً " لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً " (يو5:15) ، هكذا قال السيد المسيح . فنحن نشكر الله لأنه سترنا . من جهة ، ستر على خطايانا و أخفاها . و من جهة أخرى ، أمسك بأيدينا و أقامنا ، و جعلنا نعمل خيراً .
أعمالنا : إما شر ، و إما خير . بالنسبة للشر ، نقول " سترنا " و بالنسبة للخير ، نقول " أعاننا " ، لأنه لولا أنه أعاننا ما كنا نستطيع أن نعمل أى عمل خير .
كل عمل طيب تعمله ، يدل على أن هناك معونة من النعمة أمسكت بيدك ، لولا هذه المعونة ، ما كنت تستطيع أن تعمل شيئاً . و الله يجب أن يعيننا ، و يكره أن نعتمد على معونة بشرية " ملعون الرجل الذى يتكل على الإنسان ، و يجعل البشر ذراعه (أر5:17) . – الله هو الوحيد الذى من عنده العون و المساعدة – هو الذى أعاننا .
حاول أن تدخل كلمة " أعاننا " فى كل عمل من أعمالك ، لكي ترجع الفضل لله فى كل شئ . و إن استطعت فى يوم أم تعمل أى عمل من أعمال العبادة ، قدرت أن تصلى ، أو تتأمل ، أو تقرأ ، أو تضرب مطانيات ، أو تصوم … قل : اشكر الله لأنه أعاننا
لكن الإنسان الذى ينسى أو ينكر معونة الله ، هذا يقع فى الكبرياء ، و يظن أنه بقوته و ذراعه استطاع أن يعمل شيئاً .
تلميذ ينجح . تقول له " مبروك " يقول لك إننى ذاكرت مذاكرة جبارة ، و ينسى كلمة أعاننا ، و بذلك يقع فى المجد الباطل . إذا ذكرت معونة الله ، يمكن أن يديمها عليك باستمرار .
قال مار اسحق " لا توجد موهبة بلا زيادة إلا التى بلا شكر " 0
إذا لم تشكر الله على معونته ، يرفع معونته عنك ، لكي تشعر بضعفك . و لما تشعر بضعفك ، تدرك أنك لما كنت قائماً على قدميك ، كانت معونة من الله . فلنشكر صانع الخيرات ، لأنه أعاننا و عرفنا طريقة ، أعاننا و كشف لنا إرادته ، و أعاننا و أعطانا أن نعبده ، و أعطانا أن نعمل شيئاً به ، فى شركة روحه القدوس . . . فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله … لأنه سترنا و أعاننا و حفظنا .
من جهة خطايانا ، نقول نشكر الله لأنه سترنا . و من جهة حياة البر التى نسلك فيها أمام الله ، نقول أعاننا . و بعد ذلك نقول " و حفظنا " لأننا نعيش فى حفظ الله " إسم الرب برج حصين ، يركض إليه الصديق و يتمنع " (أم10:18) .
فالله حفظنا . و نحن لا نستطيع أن نحفظ أنفسنا . " حافظ الأطفال هو الرب " (مز5:114) . و المقصود بالأطفال هم الناس الذين يسلكون كأطفال الله . أنت تقدر أن تمشى وحدك فى ميدان واسع . و تستطيع أن تتحفظ من السيارات . لكن الطفل الصغير لا يستطيع أن يمشى وحده ، و تجده يمسك بيد والده ، و يشع أنه لا يقدر أن يمر إلا و هو فى يد أبيه …
كذلك نحن فى حياتنا على الأرض بهذا الشكل : إن سلكنا كأطفال ، نشعر أنه بدون الله ليست لدينا القوة التى نحفظ بها أنفسنا . و لكن الرب هو الذى يحفظنا .
الله هو الذى يحفظ الناس ، و هو الذى يرعاهم ، لأنه هو الراعى الصالح . الخراف تكون موجودة ، و غير مسؤلة عن حماية نفسها . فنحن نقول نشكر الله لأنه حفظنا .
و لكن إن كنا نحن لم نقع فى الخطية ، فلنشكر الله لأنه حفظنا . هو الذى يحفظنا ، و منع عنا الشر . و هو الذ منعنا عن أن نقع فى التجربة . أو أثناء الخطية أعطانا قوة من الداخل ، أو جعل موانع من الخارج لم تسمح بأن نخطئ …
خطاياك على نوعين : خطية وقعت فيها فعلاً ، و تشكر الله لأنه سترك ، و خطية لم تقع فيها بعد ، و تشكر الله لأنه سترك ، و خطية لم تقع فيها بعد ، و تشكر الله لأنه حفظك منها و من الوقوع فيها. فإذا كنت أنت سائراً فى بر أمام الله ، لا تفتخر و إنما قل نشكر الله لأنه حفظنا . لولا أن الله حافظ علينا سقطوا . الذين سقطوا لم يكونوا أضعف منا . هناك جبابرة قد سقطوا . و الخطية " طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء " (أم26:7) 0
نشكر الله لأنه حفظنا و قبلنا إليه . كلمة " قبلنا إليه " عبارة لطيفة جداً . لأنه لما نخطئ فى حق الناس يرفضوننا . إن تكلم واحد منا عن غيره كلمة غير لائقة يقول " لا أريد أن أرى وجه هذا الإنسان مرة أخرى " و حتى أن جاء ذلك الأخ ليعتذر إليه قد يرفض مقابلته .
و نحن نخطئ أمام الله خطايا عديدة . نتحدى سلطانه ، و نجدف عليه ، و نكسر وصاياه ، و ننجس أقداسه و هيكله . ثم نقف أمامه و نقول له " أبانا " ! أهذه تصرفات أولاد الله ؟
و لكن نشكر الله لأنه قبلنا إليه ، على الرغم من كل تعدياتنا ، على الرغم من كل سقطاتنا و نجاستنا . إن الله يقبلنا إليه و يقول " من يقبل إلى لا أخرجه خارجاً " (يو37:6) .
ربنا طويل الأناة ، باستمرار فاتح ذراعيه " لا يخاصم إلى الأبد و لا يحقد إلى الدهر " (مز103) نشكره لأنه قبلنا إليه . مجرد وقوفنا أمام الله ، مجرد أن الله يرضى أن يسمع صلواتنا ، مجرد أن الله يدخلنا إلى بيته أو هيكله ، مجرد أن الله لا ينزع روحه منا ، كل هذه الأشياء نشكره عليها لأنه قبلنا إليه .
أنت يارب طيب . مهما أخطأنا فى حقك ، لا تزال تقبلنا إليك . الناس لا يقبلوننا مع أنهم أشرار مثلنا . لكن أنت القدوس الكلى القداسة تقبلنا إليك . أنت بإستمرار فاتح ذراعيك .
أشكر الله يا أخى من أجل هذا ، كلما تكثر خطيتك أمامك ، كلما تشعر أن خطيتك بشعة فى عينيك ، و على الرغم من كل ذلك ترى الله لا يزال يحتفظ بك كإبن .
إنه قال عن الابن الضال الذى ترك بيته و بدد أمواله " ابنى هذا كان ميتاً فعاش ، و كان ضالاً فوجد " (لو32:15) . ما هذا يا رب حتى و هو ميت و ضال تعتبره إبنك ؟! … " نعم أعتبره ابنى . بل أن الله لما رأى ذلك الإبن من بعيد تحنن و ركض و عانقه و قبله . كل هذا يدعونا أن نشكر الله لأنه يقبلنا إليه . لم يصنع معنا كحسب خطايانا ، و لم يجازنا حسب أثامنا . لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض ، قويت رحمته على خائفيه . كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد عنا معاصينا . كما يتراءف الأب على البنين يتراءف الرب على خائفيه " هكذا قال داود (مز10:103-13) 0 فنحن نشكر الله لأنه قبلنا إليه .
و لعل أحد يسأل هل كل خطية لها مغفرة ؟ فى إحدى المرات سأل أخ أحد القديسين عن هذا الموضوع فقال له : إن الله يأمر أن تغفر لأخيك إذا أخطأ إليك فى اليوم 7مرات سبعين مرة . فإن كنت أنا الإنسان البشرى ممكن أن أغفر لأخى 7×70 فى اليوم الواحد ، فكم بالأولى الله الذى لا تنتهى مراحمه ؟!
إن الله حينما يقبلنا إليه إنما يجعلنا نخجل أمام أنفسنا ، لأن ربنا لا يكافئ الشر بالشر ، و إنما يعامل الخطاة بتحنن ، و يعاملنا بشفقة ، لا يصنع معنا حسب خطايانا .
فلنشكر صانع الخيرات لأنه سترنا و أعاننا و حفظنا و قبلنا إليه و شفق علينا و عضدنا .
الله يشفق علينا لأنه يعرف ضعفاتنا ، يعرف طبيعتنا الطينية التى نحن فيها . الله يأخذ موقف الشفقة ، أما نحن فباستمرار نقف موقف القضاة .
كل واحد فينا يهوى أن يلبس رداء القضاة و يحكم : فلان قد أصاب ، و فلان قد أخطأ ، فلان هذا يستحق ، بينما ذاك لا يستحق . لكن ربنا يعامل بالحنو و الشفقة و الطيبة .
هذه الأشياء كلها تجعلنا نحن أيضاً مجبرين أن نعامل بالمثل ، كما قبلنا الله إليه ، ينبغى أن نقبل الناس ، و كما أشفق علينا ، ينبغى أن نشفق على الناس . و كما سترنا ينبغى أن نستر الناس و هكذا فى باقى الطلبات . و نشكره أيضاً لأنه عضدنا ، أى قوانا و أيدنا فى كل ما نفعله . و نشكره لأنه أتى بنا إلى هذه الساعة .
لما تشكر ربنا لأنه أتى بك إلى هذه الساعة ، اشعر أن حياتك كان من الممكن أن تنتهى فى أى لحظة . حياتك منحة تتجدد يوماً بيوم ، و ساعة بساعة ، و ثانية بثانية . أشكر ربنا لأنه أتى بك إلى هذه الساعة ، لو كنت مت و أنت ترتكب خطية معينة ترى أى مصير كان سيدركك ؟! و ما أكثر الأمثلة على الميتات الفجائية .
نشكر الله لأنه أتى بنا إلى هذه الساعة – مد فى عمرنا حتى الآن . لم يأخذنا فى خطيتنا . لم يجعل الأرض وقتها تفتح فاها و تبتلعنا ، كما فعل مع قورح و داثان و ابيرام . لم يجعل النار تنزل من السماء و تحرقنا كما فعل مع سادوم . هل تظنوا أن خطايا هؤلاء الناس أصعب من خطايانا ؟ من قال ذلك ؟ و مع ذلك فإن الله لم يعاملنا حسب خطايانا – لم يعاقبنا كمل عاقب الباقين ، و إنما أتى بنا إلى هذه الساعة .
و ليس ذلك فقط ، بل أتى بنا إلى ساعة الصلاة هذه ، إلى ساعة التأمل هذه ، إلى ساعة الشكر هذه . و أوقفنا أمامه نصلى و نشكر و نتضرع إليه . ما أكثر فضلك يا رب . لو كنت أخذتنى فى الساعة الفلانية ، حينما كنت أرتكب الطية الفلانية كنت ضعت . لكن أنت مددت فى عمرى ، و أتيت بى إلى هذه الساعة ، فلتكن هذه الساعة مقدسة و مباركة لك . فلتكن هذه الساعة بداية حياة جديدة أبدؤها معك . شكر الله فى الماضى ، يشجعنا من جهة حياة المستقبل و نحن نشكر الله لأنه أتى بنا إلى هذه الساعة ، بعد ذلك نقول :
ستر الله علينا فى القديم ، يشجعنا أن نطلب منه الستر فى المستقبل . صحيح أن ربنا كان معنا فى القديم . و لكن إذا تخلى عنا الآن ، ضعنا . ماذا تفيد حياتنا القديمة مهما كانت مملوءة بالبر و القداسة ، و التعفف ، إن كنا اليوم نسلك فى طريق الخطية ؟! المهم هو حاضرنا و مستقبلنا لذلك نقول : هو أيضاً فلنسأله أن يحفظنا فى هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا .
كثيرون بدأوا حياتهم بداية مقدسة ، و أنتهوا إلى نهاية شريرة . بولس يقول : " لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً و الآن أذكرهم أيضاً باكياً و هم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطونهم و مجدهم فى خزيهم الذين يفتكرون فى الأرضيات " (فى18:3-19) . و كثيرون بدأوا بالروح و كلموا بالجسد (غل3:3) .
سليمان الحكيم بدأ حياته بداية طيبة . و لكن فى آخر أيامه بخر للأصنام (1مل11) ، مع أنه مملوء حكمة ، و قد أعطى حكمة و فهماً أكثر من جميع الناس ! لذلك نطلب من الله – كما حافظ علينا فى القديم – أن يحافظ علينا أيضاً فى المستقبل .
و هو أيضاً فلنسأله أن يحفظنا فى هذا اليوم المقدس . لماذا نقول اليوم المقدس ؟ لأن كل يوم من أيام حياتنا هو يوم مقدس . حياتنا كلها هى حياة مقدسة يملكها الله . لأننا أشترينا بثمن (1كو20:6) ، إننا هياكل للروح القدس ، و الروح القدس ساكن فينا (1كو16:3) . كل يوم من أيام حياتنا هو يوم مقدس ، لأنه ملك الله . فلنسأله أن يحفظنا فى هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا .
لا نطلب أن يحفظنا الله فى يوم معين ، و إنما كل الأيام ، فلنطلب أن يحفظنا الله كل أيام حياتنا ، لأن يوماً واحداً يمكن أن يضيع الحياة كلها خطية يوم واحد يمكن أن تتلف الحياة كلها . كل ما تبنيه طول عمرك ، يمكن أن تهدمه فى يوم واحد ، فيضيع تعبك كله كأن لم يكن . لذلك نطلب من الله أ يحفظنا يوماً بيوم ، لأننا بدون حفظه لنا نشابه الهابطين فى الجب .
نطلب من الله أن يحفظنا فى هذا اليوم ، لأننا لا نعرف ما هى التجارب التى تصيبنا منه ، و لا هى الشرور و العثرات التى ستصادفنا ، و لا من هم الناس الأشرار الذين سنقابلهم ، و لا ما هى الخطية التى طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء (أم26:7) . المسألة تحتاج إلى حفظ من الله فى هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا حتى تنتهى غربتنا بسلام .
فى سيرة القديس مكاريوس نجد أنه كان حريصاً حتى آخر لحظة ، لدرجة أنه لما فارقت روحه جسده طاردته الشياطين قائلة " قد خلصت يا مقارة " . فقال " لا أعرف بعد " كان خائفاً من أن روحه يسقطها شيطان الكبرياء و هى خارج الجسد . و لكنه – لما وصل إلى داخل الفردوس – حينئذ استطاع أن يقول " إننى الآن برحمة الله قد خلصت " ! فلنسأل إذن أن يحفظنا كل أيام حياتنا بكل سلام الضابط الكل الرب إلهنا .
ليتنا نترجم الكلمة " بكل سلام " .
بدلاً من " بكل سلامة " فهذه هى الترجمة السليمة . نطلب أن نعيش فى سلام : من جهة علاقتنا بأنفسنا ، و علاقتنا بالناس ، و علاقتنا بالله . أحفظنا فى هذا اليوم المقدس فى سلام . أى سلام مع أنفسنا ، غير منقسمين على ذواتنا . و فى سلام الناس ، لسنا فى غضب و لا حقد و لا خصومة مع أحد . و سلام مع الله .
إنه ضابط الكل ، مسئول عن الكل . هو الذى خلقنا و هو الذى يحفظنا .
بعد هذا السلام ماذا يجب أن نقول ؟ نوجه طلباتنا و نقول " نشكرك يارب " و نكرر نفس العبارات .
و فى الأول دعوة إلى الشكر : " فلنشكر " . ثم نقول " نشكرك " أى نقوم بواجب الشكر فعلاً . و على أى شئ نشكر ؟ نشكر :
ينبغى أن يكون الشكر عادة لنا ، نقابل بها أعمال الله كلها . ليس هناك أعمال نشكر الله عليها ، و أعمال نشكر الله عليها ، و أعمال نتذمر منها ، لا ، لابد أن نشكره على كل شئ ، ليست هناك أمور نشكر الله عليها ، و أمور نتعب منها و نبكى . لا ، الإنسان الروحى يشكر على كل حال لأن " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله " (رو28:
0
الشخص الذى يحب الله ، يجد فى كل شئ خيراً و بركة ، و لعل البعض يسأل : و ماذا عن المصائب؟
نجيب : كان ممكناً أن تكون المصيبة أشد و أصعب . و نشكر الله أنها وصلت إلى هذا الحد فقط !
مثال ذلك :
لنفرض أن شخصاً استقل عربته ، و لم تحدث له حوادث ، يشكر الله طبعاً . فإن حدثت له حادثة يشكره أيضاً : فالحادثة التى تسببت فى رضوض ، كان يمكن أن ينتج عنها كسر أو بتر ، ألا يستحق هذا شكراً ؟! و الحادثة التى كانت نتيجتها البتر ، كان ممكناً أن تتسبب فى وفاة . فلنشكر الله على حفظه للحياة .
و حتى إن مات ، يشكر الله الذى أطلقه من هذا العالم ، ليتمتع بالأبدية السعيدة . و لم يجعل نهاية حياته بمرض متعب ، يستمر عذاباته مدى زمنياً طويلاً بلا شفاء …
إننا نشكر ، عندما نقارن حالنا بما هو أسوأ .
أما إن قارناه بما هو أفضل ، فقد نتذمر … !
أيضاً من مشاكلنا فى عدم الشكر أمران :
أ- أننا نقسم الأمور إلى جيد و ردئ . فنتعب من الأمور الرديئة . و قد لا نشكر …
ب- إننا نقسم أيضاً الأمور الجيدة إلى كبيرة و بسيطة . فنشكر على الخير الكبير ، و لا نشكر على الخير الذى نحسبه بسيطاً !! بينما الكل يحتاج إلى شكر .
أليس مخجلاً أن نحسب بعض الخيرات بسيطة لا تستحق الشكر ؟!
مثال ذلك : نحن جالسون الآن فى هذا الاجتماع ، و النور الكهربائى مضئ بلا إشكال . هل شكرنا الله على هذا ؟! ألا نذكر أنه فى أحد الأيام أنقطع النور ، و تعطل الميكروفون ، و استمر انقطاع التيار الكهربائى حتى السابعة إلا ربع ، و كاد الاجتماع يفشل … ثم لما عاد التيار الكهربائى شكرنا الله …
أترانا نشكر على وجود النور حالياً ؟ أم أننا لا نشكر إلا على وجود النور حالياً ؟ أم أننا لا نشكر إلا إذا أنقطع التيار و عاد ؟!
لا شك أن هناك أشياء كثيرة لا نشكر الله عليها ، و ذلك لأننا نظن أنها لا تستحق الشكر !
مجرد أنك تسير يا أخى على قدميك أمر يستحق الشكر ، لأن هناك أشخاصاً لا يتمكنون من السير على أقدامهم … مجرد أنك جالس ، أمر يستحق الشكر ، لأنه يوجد أناس نائمون الآن على فراش المرض …
حقاً إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، لا يشعر به إلا المرضى . و الأصحاء لا يشكرون !!
أنت يا رب تستحق الشكر على كل شئ : على النعم التى نراها ، و النعم التى لا نشعر بها . تستحق الشكر على كل حال … لأنك سترتنا و أعنتنا و حفظتنا ، و قبلتنا إليك ، و أشفقت علينا و عاضدتنا ، و أتيت بنا إلى هذه الساعة .
من أجل أنك عملت معنا كل هذا ، نسأل و نطلب …
إن نعمك القديمة تشجعنا على أن نطلب شيئاً جديداً .
حنانك القديم شجعنا أن نقترب إليك … من أجل أنك طيب و حنون و شفوق ، و من أجل أنك تحافظ علينا ، و من أجل الماضى كله ، نحن نسأل و نطلب من صلاحك يا محب البشر …
كل تصرفاتك معنا تدل على أنك محب البشر ، بل أنك أنت نفسك المحبة . و الله محبة . نحن نطلب من صلاحك يا محب البشر ، ليس لأننا نستحق … كلا ، بل أننا نطلب من أجل أنك محب و صالح . نطلب أن نكمل هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا فى مخافتك .
الإنسان و هو يصلى هذه الصلاة ، يشعر أن كل يوم يمر عليه عبارة عن نعمة من الله أعطيت له . نحن لا نستطيع بقوتنا و لا بإرادتنا أن نكمل يوماً واحداً فى مخافة الله ، إن لم يكن هذا عملاً من أعمال نعمة الله القدوس . لأنه قال " بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئاً " (يو5:15) .
فنحن نقول له : يا رب أعطنا يوماً من عندك ، يوماً صالحاً مقدساً ، نكمله بعمل روحك القدوس فينا . و طبعاً روح الله لا يعمل فى الإنسان الذى لا يريد أن يعمل .
الله لا يرغمنا على المعيشة معه ، و إنما حياتنا كلها عبارة عن شركة مع الروح القدس . الروح القدس يشترك مع إرادتنا فى انقاذ أنفسنا من الهلاك .
لو أن الروح القدس تخلى عنا تخلى ، لا يمكن أن نخلص . و لو إرادتنا رفضت أن تعمل مع الروح القدس ، لا يمكن أيضاً أن نخلص . لأن الله لا يرغم إنساناً على السير فى طريقه .
" أمنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس " . لتكن هذه يا رب هبة منك ، منحة ، عطية مجانية من عندك ، أن نكمل اليوم فى مخافتك ، فيكون يوماً مقدساً …
إننا نعتبر كل يوم من أيام حياتنا يوماً مقدساً .
لأن حياتنا كلها مقدسة للرب . ملك له لأنه اشتراها بدمه كل يوم من أيام حياتنا ، بل كل ساعة منها هى ساعة مقدسة . كل دقيقة ، كل لحظة فى حياتنا ، هى أيضاً مقدسة . لأن حياتنا ملك للرب الذى قدسها بدمه الطاهر . حياتنا ليست ملكاً لنا حتى نتصرف فيها كما نريد . إنها ملك للرب ، و الرب هو المتصرف فيها لا نحن .
لسنا نقول فقط " امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس " بل أيضاً " و كل أيام حياتنا " .
ليس هذا اليوم فقط … فمن الجائز أن نسلك اليوم حسناً ، و نخطئ غداً . و نهلك !! من يعرف .
أنت لا تعرف يا أخى حياتك كيف تنتهى ، فطالما أنت فى الدنيا ، لبد أن تكون محترساً و خائفاً . كثيرون كانوا جبابرة فى الروح ، و لم يكملوا حسناً .
لذلك نحن نذكر القديسين الذين كملوا حياتهم فى الإيمان و نقول هكذا فى المجمع :
أى الذين كملوا فى الإيمان . أوعى تعتبر أنك النهاردة كويس ، و تقول أنا بقيت قديس . جايز بكره تفقد قداستك !و ما أدراك ؟! لذلك نحن نقول " أمنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس ،و كل أيام حياتنا "
القديس يوحنا القصير . عندما كان يرى شخصاً يخطئ ، كان يبكى عليه و يقول " هذا الشخص أخطأ اليوم و قد يتوب ، و ربما أخطئ أنا غداً و لا أتوب " !!
ماذا أدرانا كيف تكون النهاية … !
إننا نقرأ عن إثنين : أحدهما كان لصاً و الثانى تلميذاً من تلاميذ السيد المسيح .
اللص ذهب إلى الفردوس ، و تلميذ المسيح هلك و مات منتحراً !
من أجل هذا يجب أن نحترس إلى النهاية ، كما يقول الكتاب " أنظروا إلى نهاية سيرتهم و تمثلوا بإيمانهم " (عب7:13) . و لا يصح أن نغتر بيوم صالح مر علينا .
هناك أشخاص إذا مر عليهم يوم صالح ، يضنون أنها درجة روحية قد صعدوا إليها ، و لن ينزلوا منها ثانيه .
فيقول الواحد منهم : إن الخطية الفلانية قد ابطلتها و انتهت من حياتى . من قال أنها إنتهت ؟ أليس من الجائز أنك ابطلتها اليوم ، و تحارب بها غداً ؟! أو أبطلتها هذه السنة ، و تسقط فيها فى السنة المقبلة . صل إذن أن يجعل الرب يومك هذا مقدساً ، و كل أيام حياتك أيضاً …
احسب أيام حياتك ، باليوم . و اعرف و أنت تصلى هذا الجزء من صلاة الشكر ، إن كل يوم يمر عليك لن يرجع ، مهما بكيت عليه بدموع و ندمت . مهما بكيت عليه بدموع و مهما ندمت عليه بدموع . لا يمكن أن يرجع ثانية . إنه يوم من أيام حياتك قد ضاع و قبر فى الأبدية ، و لا يعود مرة أخرى . لذلك انقذ أيام حياتك ! انقذها باليوم .
إن الله يحسب حياتك باليوم ، فيقول " اذكر خالقك فى أيام شبابك " (جا1:12) . لا تجعل لا يوم من أيام حياتك يفلت . " امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا " … لذلك نصلى و نقول : لا تسمح يا رب بأن يوماً واحداً من أيام حياتنا يكون عاطلاً عن النعمة ، أو أن يكون مقفراً من عمل الخير . أو أن يكون ملكاً للشيطان .
عندما تخرج روحك من جسدك أيها الأخ ، و يمسك بها الشيطان ، و يقول لها " تعالى نتفاهم من جهة أيام حياتك على الأرض : هل كانت ملكك أم ملكى ؟" …
من يعرف ؟ ربما كانت كلها ملكاً له !! ربما يقول لك الشيطان : كل يوم من أيام حياتك كان ملكاً لى . هل حدث أن يوماً من أيامك لم أدخل فيها ؟ . هل مر عليك يوم بدون خطية و بدون طاعتى ؟!
كل يوم من أيامك دخلت فيه ، كما يدخل الخيط فى حبات المسبحة !!
يا للهول ! لذلك صل باستمرار وقل : امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس ، و كل أيام حياتنا …
البعض يظن أن الحكم على أيام حياتنا يكون بالميزان : توضع أيام الشر فى كفة ، و أيام الخير فى كفة . و يرى الله أيهما يرجح !! كلا ، فهذا لن يحدث .
فمن الجائز أن يوماً واحداً من حياتك ، يضيع الحياة كلها !!
هل كان أبونا آدم يخطئ كل يوم ؟! كلا ، كانت حياته فى الجنة كل بر و بساطة ، لا يعرف فيها شراً … و كذلك كانت حياة أمنا حواء … و لكنهما فى يوم واحد أكلا من الشجرة ،فانتهت كل سيرتهما فى الجنة ! كلها ضاعت !! ضيعها يوم واحد ، بل ربما ساعة واحدة ، و ربما دقيقة أو لحظة .
فنان عظيم يمسك لوحته و يبدأ أن يرسم عليها رسماً جميلاً جداً … لوحة فنية رائعة ، أنفق شهراً فى ابداعها … ثم فى لحظة انسكبت عليها زجاجة حبر . ألا تكون هذه اللحظة الواحدة قد أضاعت تعب الشهر كله ؟! …
لذلك نحن نصلى و نقول : امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا بكل سلام مع مخافتك
أعطنا أن نكمل هذه الأيام بكل سلام :
سلام بيننا و بين الله .
سلام بيننا و بين الناس .
سلام بيننا و بين أنفسنا .
سلام بين الجسد و الروح . لا يشتهى الواحد منهما ضد الآخر . امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس و كل أيام حياتنا بكل سلام .
كلمة " مع مخافتك " . كلمة جميلة و لطيفة . لماذا ؟ لأن البعض حينما يبدأ حياته مع الله … أحياناً ينسى مخافة الله وسط محبة ربنا . و يقول المحبة تطرد الخوف إلى خارج .
صحيح أن الرسول يقول " المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج " (1يو18:4) . لكن من فينا وصل إلى المحبة الكاملة ؟! الذى وصل إلى المحبة الكاملة ، و صار العالم عنده مثل النفاية و استطاعت محبة الله فيه أن تحرق كل شهوة عالمية . مثل هذا لا يخاف .
أما نحن فلم نصل إلى درجة الكمال هذه … لم نصل إلى المحبة الكاملة التى فيها نحب الله من كل القلب و الفكر و الإرادة … مازال العالم له موضع فينا ، ولذلك نحن نخاف … يقول الرسول " سيروا زمان غربتكم بخوف " (1بط17:1) . و أيضاً " تمموا خلاصكم بخوف و رعدة " (فى12:2) . نخاف لأن " عدونا مثل أسد زائر يلتمس من يبتلعه " (1بط8:5) . نخاف لأن الخطية " طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء " . نخاف لأن كثيرين بدأوا بالروح و كملوا بالجسد . نخاف لأننا لسنا أقوى من الجبابرة الذين سقطوا . لسنا أقوى من داود ، لسنا أحكم من سليمان . لسنا أقوى من ديماس الذى أحب العالم الحاضر (2تى10:4) . لسنا أقوى من الرسل و الأنبياء الذين سقطوا . مين يعرف ؟ امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس بكل سلام مع مخافتك . لتكن مخافة الله فى أعيننا باستمرار . أى ليكن الخوف نوعاً من أنواع الهيبة و التوقير لإلهنا الصالح …
إن الذى لا يخاف ، يستكبر لذلك يقول الرسول " لا تستكبر بل خف " (رو22:11) . امنحنا يا رب أن نكمل كل أيام حياتنا فى مخافتك .
الإنسان الخائف الله لا يمكن أن يعمل خطية . قيل عن قاضى الظلم أنه شخص لا يخاف الله . الإنسان الذى لا يخاف الله ، يستهتر و يسلك حسب هواه و لا يهتم … لماذا نستطيع أن نرتكب الخطية أمام الناس ، و نخاف كلام الناس ، و نخاف أفكار الناس ، و نخاف فضيحة الناس ، أما الله فلا نخاف منه .
إن كل خطية نرتكبها ندل بها على أننا لا نخاف الله . الشخص الذى يخاف الله هو الشخص الذى لا يرتكب خطية مهما كانت فى السر ، مهما كان بعيداً عن أعين الناس . لأن الله موجود أمام عينيه ، فكيف يخطئ و يفعل هذا الشر العظيم أمام الله ؟!
لو تتبعتم كلمة الخائفين من الله ، تجدونها كثيرة فى الكتاب المقدس و بخاصة المزامير . مفروض أننا نخاف الشر ، نخاف الخطية و السقوط ، و نخاف ضعفنا لكن ليس الخوف خوف الجبناء ، و إنما المخافة التى تدفعنا فى أن نتمسك بالله بالأكثر . و نحتاط أكثر ، و نحترس أكثر . و نجاهد أكثر
ليس خوفاً يدعو إلى اليأس و الجبن ، و أنما مخافة تدعوا إلى مزيد من الحيطة و الاحتراس و الجهاد و الصلاة . امنحنا أن نكمل هذا اليوم … مع مخافتك …
هنا خرج المصلى من الشكر إلى الطلب .
بدأ بالشكر ثم تحول إلى الطلب . و لما دخل فى الطلب طلب أو