اولاد الملك
تاملات فى المزمور الخمسين 776401
نورت منتدى اولاد الملك
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
اولاد الملك
تاملات فى المزمور الخمسين 776401
نورت منتدى اولاد الملك
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
اولاد الملك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تاملات فى المزمور الخمسين

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مينا ماهر نبيه
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد المساهمات : 81
تاريخ التسجيل : 20/11/2009

تاملات فى المزمور الخمسين Empty
مُساهمةموضوع: تاملات فى المزمور الخمسين   تاملات فى المزمور الخمسين Emptyالإثنين ديسمبر 21, 2009 8:39 pm

أرحمنى يا الله كعظيم رحمتك و مثل كثرة رأفتك تمحو أثمى و تغسلنى من كثيراً من أثمى و من خطيتى تطهرنى . لأنى عارف بأثمى ، و خطيتى أمامى فى كل حين . لك وحدك أخطأت و الشر قدامك صنعت . لكي تتبرر فى أقوالك و تغلب إذا حوكمت لأنى ها أنذا بالاثم حبل بى ، و بالخطايا ولدتنى أمى .
لأنك هكذا قد أحببت الحق . اذ أوضحت لى غوامض حكمتك و مستوراتها . تنضح على بزوفاك فأطهر . و تغللنى فأبيض أكثر من الثلج . تسمعنى سروراً و فرحاً فتبتهج عظامى المنسحقة . أصرف وجهك عن خطاياى و أمح كل آثامى .
قلباً نقياً اخلق فى يا الله و روحاً مستقيماً جدده فى أحشائى لا تطرحنى من قدام وجهك و روحك القدوس لا تنزعه منى . امنحنى بهجة خلاصك . و بروح رئاستى ثبتنى فأعلم الأثمه طرقك و المنافقون إليك يرجعون .
نجنى من الدماء يا الله إله خلاصى فيبتهج لسانى بعدلك . يا رب افتح شفتى فيخبر فمى بتسبيحك لأنك لو آثرت الذبيحة لكنت الأن أعطى . و لكنك لا تسر بالمحرقات فالذبيحة لله روح منسحق . القلب المنكسر و المتواضع لا يرذله الله .
انعم يا رب بمسرتك على صهيون و اتبن أسوار أورشليم حينئذ تسر بذبائح البر قرباناً و محرقات و يقربون على مذابحك العجول هللويا .



تشمل المزامير موضوعات متعددة جداً …
ففيها التسبيح و التمجيد ، و التأمل فى صفات الله و فى أعماله ، و فى خليقته و فى ملكه ، و فى وصاياه و فى مساكنه . و فى المزامير أيضاً طلبات متنوعة ، و صراخ إلى الله . و فىها الشكوى و العقاب أيضاً ، و فيها عبارات الحب و الاشتياق إلى الله ، و الشكر و الاعتراف بجميل الرب و برعايته و أفضاله ، و فيها الفرح و التهليل ، و ذكريات الحياة مع الله . و فى المزامير أيضاً نبوءات ، و كلمات البركة ، و نصائح و ارشادات ، و تطويبات . و فيها أيضاً كلمات البركة ، و نصائح و ارشادات ، و تطويبات . و فيها أيضاً كلمات التوبة ، و انسحاق القلب ، و الدموع ، و الاعتراف بالخطية .
و المزمور الخمسون هو من مزامير التوبة ، بل هو اشهرها .
و لعل أول مزمور من مزامير التوبة هو المزمور السادس ، الذى يبدأ بعبارة " يا رب لا تبكتنى بغضبك ، و لا تؤدبنى بسخطك " . و المزمور الثامن و الثلاثون يبدأ بنفس العبارة أيضاً .
و يمكن أن نعتبر من مزامير التوبة أيضاً السالفة فى الترتيب المزمور الخمسين و المزمور 32،و المزمور 25،12… و لكن المزمور الخمسين هو أشهرها جميعاً . و رقمه فى الترجمة البيروتية 51. و الكنيسة تضعه فى مقدمة كل صلاة فى الأجبية :
سواء ذلك فى صلوات النهار أو الليل . نكرره أكثر من سبع مرات كل يوم ، و يدخل فى صلواتنا الطقسية ، و هو ملازم فيها للصلاة الربية و صلاة الشكر . و لا يوجد إنسان متدين إلا و يحفظه ، حتى تلاميذ التربية الكنسية يحفظونه … و من شهرته وضعت فيه الكثير من الكتب لعديد من مشاهير الوعاظ و المفسرين ، فى كل الكنائس …
أول من صلاه هو داود النبى بعد سقطته :
بعد أن أخطأ مع بثشبع ، و تسبب فى قتل أوريا الحثى . و بعد أن أرسل له الله ناثان النبى ينبهه إلى بشاعة فعله ، و يقول له " أنت هو الرجل " (1صم7:12) . فاعترف داود و قال : " أخطأت إلى الرب " (2صم 13:12) . و قد سرد عليه ناثان انذارات الرب و عقوباته " جعل أعداء الرب يشمتون " . و بدأ داود يشعر بثقل ذنبه ، و صلى هذا المزمور ، و بدأه بقوله :


عبارة " أرحمنى يا الله " عبارة يقولها كل إنسان :
نعم ، كل إنسان أياً كان قدره ، لأن كل إنسان محتاج إلى الرحمة . نحن نبدأ بها الصلوات إذ نقول " أبشويس ناى نان " و معناها بالقبطية " يا رب ارحمنا " . و نقولها حينما نردد كلمة كيريا ليصون 41مرة فى كل صلاة ، و تعنى فى اليونانية أيضاً " يا رب أرحمنا " . و نقولها فى لحن " أفنوتى ناى نان " أى يا الله أرحمنا . و نقول فى الثلاث تقديسات " أيها الثالوث المقدس ارحمنا " ثلاث مرات . وننتهى بقولنا : يارب أرحم ، يارب ارحم ، يارب بارك أمين … نبدأ فى الصلوات ، ونكررها مرات ومرات …
وهنا يقول المرتل : ارحمنى ياالله … لأن هذا هو المدخل الوحيد الذى أدخل به إليك …
أنا خاطئ تحت الحكم ، و معترف بخطيئتى ، و مستوجب لكل دينونة . و ليس أمامى سوى باب واحد أدخل منه إليك ، و هو رحمتك … رحمتك أنت ، المعروف بالرحمة ، و أيضاً بالمغفرة .

و لقد ردد هذا المعنى فى المزمور 103 فقال " الرب رحيم و رؤوف طويل الروح كثير الرحمة .. لم يصنع معنا حسب خطايانا و لم يجازنا حسب آثامنا . مثل آرتفاع السموات فوق الأرض ، قويت رحمته على خائفيه … كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد عنا معاصينا " ( مز8:103-12) .
و فى هذا المزمور يذكر الرحمة أولاً قبل ذكر خطاياه :
يذكرها الله ، فتغطى على الخطايا و تخفيها ، لأن هذه الرحمة هى سبب المغفرة . و ماذا تكون خطايا أى إنسان ، إذا وضعت أمام مراحم الله ؟! إنها لا شئ : كقطعة من الطين ألقيت فى المحيط ، يفرشها فى أعماقه و لا تظهر . و هكذا نحن نصلى و نقول " كرحمتك يا رب و ليس كخطايانا " . و فى هذا قال داود أيضاً " أذكر مراحمك يا رب و أحساناتك ، لأنها منذ الأزل هى . لا تذكر خطايا صباى و معاصى " (مز6:25،7) . و فى صلاة العشار ، ذكر الرحمة أولاً قبل الخطية ، فقال " ارحمنى أنا الخاطئ " (لو13:18) .
و لأن الخطية بشعة ، فإن المرتل يذكر الله بعظيم رحمته :
برحمته غير المحدودة ، التى تتسع لجميع الخطايا ، لجميع الناس ، فى جميع العصور … منذ آدم خلال جميع الأجيال … و كأنه يقول : فى أنا الخاطئ تظهر جميع مراحمك ، أجعلنى موضوعاً لرحمتك . أضف إسمى إلى القائمة غير المحصاة لخطاة غفرت لهم … لأولئك الذين قدمت عنهم المحرقات و ذبائح الخطية و ذبائح الإثم .
و بالنسبة إلينا – حينما نصلى هذا المزمور – نضيف إلى مراحم الله العظيمة كل ما شملته بعد عصر داود النبى : المرأة المضبوطة فى ذات الفعل ، و المرأة التى بللت قدميه بدموعها ، و المرأة السامرية ، و أوغسطينوس ، و موسى الأسود ، و كبريانوس الساحر ، و لونجينوس الحندى ، و أريانوس الوالى ، و بيلاجيه و مريم القبطية ، و كثيرين آخرين كمجرد أمثلة لمن تراءف عليهم الرب ، و شملهم بعظيم رحمته .
هنا نسمع ألفاظ الرحمة و الرأفة و ليس مشاعر الدالة .
فالإنسان فى حالة الخطية ، لا تملكه مشاعر الدالة ، و إنما الإحساس بالذلة ، هنا لا يقول داود " محبوب هو إسمك يا رب ، فهو طول النهار تلاوتى " (مز119) " بإسمك أرفع يدى ، فتشبع نفسى حما من شحم و دسم " (مز62) ، " كلماتك حلوة فى حلقى ، أفضل من العسل و الشهد فى فمى " (مز119) … نعم لا يستطيع أن يقول " كما يشتاق الإيل إلى جداول المياة ، هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله … عطشت نفسى إلى الله " (مز42)، " عطشت نفسى إليك " (مز62) … هذه الدالة أختفت ، بكسره لوصايا الله … إنما الحديث هنا عن الرحمة و الرأفة … فيتابع كلامه و يقول :



إلى جوار الرحمة العظيمة التى يستند إليها ، يستند أيضاً إلى رأفات الله الكثيرة … و هاتان الصفاتان جمعهما معاً فى قوله " الرب رحيم و رؤوف " (مز5:103) . و نفس الصفتين جمعهما أيضاً يونان النبى فى قوله للرب " علمتأنك إله رؤوف و رحيم ، بطئ الغضب ، و كثير الرحمة " (يون2:4) . و الرأفة عند الله تشمل الحنان و العطف و طيبة القلب … فكم إذن كثرة رأفاته ؟ …
إنه من أجل كثرة رأفات الله يطلب منه ليس فقط أن يغفر إثمه ، إنما أن يمحوه تماماً .
يمحوه ، أى لا يبقى له أى أثر على الإطلاق ، كأن لم يحدث . و هذا الأمر يتفق تماماً مع مراحم الله و رأفاته . – إنه هو القائل – فيما بعد – فى سفر اشعياء " أنا هو الماحى ذنوبك . و خطاياك لا أذكرها " (اش25:43) و أيضاً " قد محوت كغيم ذنوبك ، و كسحابة خطاياك " (اش22:44) . و يقول فى سفر ارميا النبى " لأنى أصفح عن إثمهم ، و لا أذكرخطيتهم بعد " (أر34:31) … إن الله يكرر عبارة " أمحو " و عبارة " لا أذكر " .
نعم يا رب . لأنك إن كنت لا تمحو إثمى ، سيمحى إسمى من سفر الحياة !
ليتك تمحوها يا رب ، حسب وعدك الصادق . حينما قلت : هلم نتحاجج " إن كانت خطاياكم كاقرمز . تبيض كالثلج " (اش18:1) . و هكذا لا تذكرها لى . و لا تؤثر على محبتك لى فى المستقبل . و لا تجعلها سبباً لزوال الدالة بينى و بينك . و لا يضيع كل تاريخى الحلو معك بسببها .
هنا داود يطلب محو الخطية و ليس محو العقوبة .
كانت لخطيته عقوبتان : العقوبة الأبدية ، و هذه غفرها له الله حينما قال له ناثان " الرب نقل عنك خطيتك . لا تموت " (2صم13:12) . أى قد نقل هذه الخطية من حسابك إلى حساب المسيح الفادى ، فلن يلحقك بسببها الموت الأبدى . و لكن كانت هناك عقوبة أرضية أخرى مثل " لا يفارق السيف بيتك … و الإبن المولود لك يموت " و مثل أنتهاك نسائه (2صم12) … كل هذه العقوبات ، لم يتعرض لها داود فى هذا المزمور ، و لم يطلب مسامحته … كان همه كله ، فى رفع الخطية ذاتها . و فى نتائجها عليه …
و كانت هناك عقوبة ثالثة هى الأصعب . و هى غضب الله عليه . و كانت تتعبه بالأكثر .
وهى التى قال عنها فى المزمور فيما بعد " لا تطرحنى من قدام وجهك . و روحك القدوس لا تنزعه منى " … أن داود يريد فى طلبته بالدرجة الأولى رضا الرب عليه … بمحو هذه الخطية التى تقف حائلاً بينه و بين الله … يريد أن يصطلح مع الله ، بنقض هذا الحائط المتوسط بينه و بينه … و يحيا فى حياة الشركة الإلهية ، و قوة المسحة المقدسة فى حياته . لذلك يقول :


هنا يقول داود " إثمى … و خطيتى " و يكرر نفس الكلمتين فى الآية التالية . ثم يضيف إلى إثمه و خطيئته عبارة " و الشر قدامك صنعت " … إنها صفات ثلاثية يصف بها سقطته . و يذكر أيضاً أن هذه السقطة قذارة فى حياته تحتاج إلى غسيل ، و نجاسة تحتاج إلى تطهير … فيقول " أغسلنى كثيراً حتى أصل إلى النقاوة المطلوبة . و عبارة " كثيراً " تدل على شعوره ببشاعة خطيئته … و طبعاً فى هذا الغسل الكثير . يحتاج إلى عصر كثير ، حتى يتنظف ، و عبارة " طهرنى " تدل أيضاً على شعوره ببشاعة الخطية .
حسن أن يشعر الإنسان أن خطيئته نجاسة تحتاج إلى تطهير .
ليس فقط خطايا الجسد كالزنى ، و إنما حتى أيضاً خطايا اللسان ، التى قال عنها الرب " بل ما يخرج من الفم ، هذا ينجس الإنسان " (متى11:15) . و قال معلمنا يعقوب الرسول " … اللسان الذى يدنس الجسم كله " (يع6:3) . بل إن العمل فى يوم الرب ، اعتبره الرب نجاسة فقال " نجسوا سبوتى " (حز13:20) … فكم بالأولى يكون الزنى ؟! كل هذا يحتاج إلى تطهير ، لأن جسد الإنسان هو هيكل الله (1كو19:6) و ينبغى أن يكون مقدساً …
الإنسان البار يشعر ببشاعة الخطية و أنها نجاسة . أما الشيطان فيقلل من قدر الخطية .
و بسبب شعور داود ببشاعة خطيئته ، قال فى المزمور السادس " تعبت فى تنهدى ، أعوم كل ليلة سريرى ، و بدموعى أبل فراشى " . و قال أيضاً " آثامى قد طمت فوق رأسى ، كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل . قد أنتنت ، فاحت … اليوم كله قد ذهبت حزيناً … انسحقت إلى الغاية … يا رب أمامك كل تأوهى و تنهدى … ليس بمستور عنك … قلبى خافق فارقتنى ، و نور عينى أيضاً ليس معى " (مز4:38-10) . لماذا كل هذا ؟



إنه لا ينكر خطيئته ، و لا يخفيها ، و لا يبررها ، و لا يتهرب منها . بل هو يعترف بها علانية أمام الله ، و قد أعترف بها أمام ناثان النبى … و يعترف بها أمام الجميع و أمام التاريخ فى هذا المزمور … و يقول كل ذلك باقتناع داخلى ، و بندم و حزن و دموع … إنه عارف بإثمه . انكشفت نفسه أمامه و أمام الله . فإذا هى تحتاج إلى غسيل و إلى تطهير … و هو يضع خطيئته أمامه كل حين . و كما قال القديس أنطونيوس :
إن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله . و إن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله .
فأنا أقول لك يا رب ككثرة رأفاتك أمح إثمى . أما أنا فلا أمحوه أبداً من ذاكرتى ، إنه أمامى كل حين … أما يسحق نفسى ، و يعلمنى الإتضاع ، و يجذبنى إلى أسفل كلما ارتفعت . إنه أمامى حينما يشتمنى شمعى بن جيرا ، فأقبل منه شتيمته لأنى أستحقها بسبب خطاياى ، و أقول فى إنسحاق " الرب قال له سب داود" (2صم10:16) . خطيئتى أمامى تجلب لى الدموع و تشعرنى بضعفى ، و تجعلنى أشفق على الساقطين ، حتى على ابشالوم .
حسن أن يضع الإنسان خطاه أمامه كل حين ، ماعدا تفاصيل الخطايا الإنفعالية و الشهوانية .
هذه التى إن ظل يفكر فيها ، قد تعود إليه . إنما يكفى أن يشعر بخطيئته ، دون أن يذكر تفاصيلها . يضع خطاياه أمامه حتى لا يدين أحداً ، لأن الذى بيته من خارج ، لا يقذف الناس بالحجارة ، و بالتالى لا يقسو على أحد ، و لا يشهر بأحد … و يتذكر خطاياه ، يحترس فى المستقبل و لا يتهاون
داود يقول إثمى ، و خطيئتى … و لا يذكر عثرة للمرأة .
إنه يركز على خطيئته ، و لا يلقى بمسئوليتها على أحد … لا يفعل مثل أبينا آدم الذى قال للرب " المرأة التى جعلتها معى ، هى أعطتنى فأكلت " (تك12:3) . فلم يقبل الرب ذلك منه ، لأن كل إنسان مسئول عن فعله أمام الله … حسن أن داود عارف بإثمه ، و ليس بإثم غيره …
متى يمكننا أن نعرف أنفسنا و نعرف خطايانا ؟
ألا يحتاج هذا منا ، أن نجلس إلى أنفسنا ، و نفحصها جيداً بغير تحيز و لا مجاملة ، و ندرك ماهى فيه من ضعف و من سقطات ، و نعرضها أمام الله … و يقول له كل منا فى إنسحاق قلب : " أغسلنى كثيراً من إثمى ، و من خطيتى طهرنى … لأنى أنا عارف بإثمى ، و خطيئتى أمامى فى كل حين " .

بعد أن يضع المرتل خطيته أمامه كل حين ، يقول : لك و حدك أخطأت …
لا شك أن داود قد أخطأ إلى كثيرين ، من بينهم بثشبع و أوريا الحثى (2صم11) . و مع ذلك فإنه يقول للرب " لك وحدك أخطأت ، و الشر قدامك صنعت " . فما هى المشاعر التى تختفى وراء عبارة " لك وحدك " ؟ لعلنا نذكر من بينها ثلاثة أعتبارات هى :
1- فى شعوره بأن الخطية ضد الله ، تتصاغر و تتضاءل كل الاعتبارات الأخرى كأن لا وجود لها .
إنه أخطأ ضد وصية الله ، و هكذا تمرد عليه و كسر وصاياه . و أخطأ ضد محبته و ضد أحساناته الكثيرة … الله الذى أخذه من وسط الغنم ، و رفعه و رقاه … الله الذى حفظه من كل مؤامرات شاول و باقى أعدائه … الله الذى باركه ببركات عديدة … الله الذى خلقه ، و الذى منحه هذه الحرية التى أستخدمها ضده .
إنه أخطأ إلى عين الله الطاهرة التى رأت خطيته .
من أجل هذا قال أيضاً و الشر قدامك صنعت " … نوع من الإستهانة و عدم الخجل ، أن يخطئ الإنسان تحت سمع الله و بصره … أمامه ، بلا حياء … أمامه كأب ، و قدوس ! و لذلك عندما عرضت الخطية على يوسف الصديق ، فزع أمام خطورة هذا الأمر و قال " كيف أصنع هذا الشر العظيم ، و أخطئ إلى الله " (تك9:39) … و لم يقل " و أخطئ إلى فوطيفار أو إلى زوجته " و إنما قال " أخطئ إلى الله " … الله الموجود فى كل مكان ، و يرى كل شئ …
يقيناً أن الإنسان و هو يخطئ . لا يجعل الله أمامه !
لا يفكر وقتها أن الله يرى و يلاحظ و يسمع – يشعر أنه واقف أمام الله ، الله القدوس … و كل هذه خطايا أخرى ، أن يكون ناسياً لله ، و غير حاسب أى حساب لوجوده . و هذا الأمر نفسه لام داود عليه أعداء الله حينما قال " الغرباء قد قاموا على ، و العتاة طلبوا نفسى … و لم يجعلوا الله أمامهم " (مز3:54) . و لذلك فإن الإنسان الذى يجعل الله فى فكره باستمرار ، من الصعب أن يخطئ ، لأن الله أمامه ، لا حصر له ، " استحياء الفكر " .
داود كان وقت الخطية ، فى فترة استرخاء ، بعيداً عن الصلة بالله !
لم يكن مشغولاً بالرب ، لم يكن فى مشاعر الحب الإلهى التى يقول فيها " محبوب هو إسمك يا رب ، فهو طول النهار تلاوتى " (مز119) … يقيناً لو كان فى ذلك الوقت يتلو فى إسم الله المحبوب لديه ، ما كان قد أخطأ …
و لكن كما يقول الكتاب ، و كان فى وقت المساء ، أن داود قام عن سريره ، و تمشى على سطح بيت الملك ، فرأى … " (2صم2:11) . ترك الشعب يحارب فى الميدان ، و نام هو فى بيته ، و خرج يتمشى على السطح … رفاهية جديدة لم يعشها من قبل ، حين كان ينزل إلى الحرب مع جنوده . و فى نفس الوقت لم يقم عن سريره ليصلى ، مثلما كان يقول " كنت أذكرك على فراشى ، و فى أوقات الأسحار كنت أرتل لك " … و حينما أتته التجربة ، لم يكن الله أمامه ، فأخطأ إليه …
إن الشيطان يعرف الوقت الذى يضرب فيه ضربته .
ينتهز الفرصة التى يكون فيها الإنسان بعيداً عن صلواته و مزاميره و تأملاته ، بعيداً عن الوسط الروحى ، و ليس أمامه ، و حينئذ يضربه و هو غير محصن … الله ليس فى فكره ، و لا فى قلبه … و هنا ، حينما قال داود للرب " لك وحدك أخطأت " ، إنما يقصد أمرين : أخطأت أولاً إليك ، حينما أبتعدت عنك ، و عن مناجاتك ، و لم أجعلك فى فكرى و قلبى و حينئذ أخطأت فى الثانية، فسقطت و كسرت وصاياك .
أخطأت إليك ، لأنى احزنت قلبك المحب …
احزنت روحك القدوس الذى من جهته أصرخ إليك قائلاً " روحك القدوس لا تنزعه منى " (مز11:51) . و هكذا حطمت حياة الشركة التى تربطنى بك ، و أنفصلت عنك بخطيتى ، و فقدت الداله التى بينى و بينك . و فى ضوء العهد الجديد ، يمكن أن يقول المصلى " نجست هيكلك المقدس ، الذى هو جسدى " (1كو16:3،17) . و هكذا أكون قد أخطأت إليك . و أيضاً فى خطيتى . ، أكون مقاوماً لروحك القدوس و عمله فى (أع51:7) ، و أيضاً فى خطيئتى يقف أمامى قول الرسول " لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم " (أف30:4) … إن حزنك هو أعظم خطية أرتكبها . لك وحدك أخطأت …
و الشر قدامك صنعت ، فى كل تفاصيل الخطية :
تفكيرى فى الخطية ، و انفعالى الداخلى بها ، كان أمامك ، و إن لم يره أحد … و تنفيذى للخطية كان قدامك أيضاً ، وكذلك كانت أمامك كل محاولاتى لاخفاء الخطية و الهروب من نتائجها . و فى كل تلك المراحل كان ضميرى نائماً قدامك أيضاً ، و كانت الخطية تتعدد و تتطور من خطوة إلى أخرى . و أنت ترى ، و يكتب أمامك سفر تذكرة (ملا16:3) .
أخطأت أمامك كإله ، و أيضاً كقاض و ديان :
حقاً ما ابشع أن يرتكب الإنسان الذنب أمام قاضية ، بلا خوف ، و لا حياء … أخطأت أمامك و أنا أعرف تماماً أننى سأقف أمامك أيها الديان العادل . و لا يحتاج إثبات ذنبى إلى شهود . فالقاضى نفسه هو الشاهد !
و لكن لعل هذا الأمر لم يكن فى ذهنى فى ذلك الوقت ! و لكن عدم وجوده فى ذهنى هو خطية أخرى … أن أتجاهل الله ! نعم أخطأت إليك أيها الديان العادل . أخطأت إلى هيبتك الإلهية ، كما أخطأت إلى محبتك الأبوية …
و لست أجد علاجاً لكل هذا ، سوى قولى أخطأت إليك و عبارة أخطأت إليك ليست علاجاً ، إنما هى صرخة … إلى رحمتك .
2- أخطأت إليك وحدك ، على الرغم من خطيئتى إلى غيرك ؟
و ذلك لأن هذا الغير ليس منفصلاً عنك ، بل كل من أخطأت إليهم هم خليقتك ، و هم أولادك ، منتمون إليك . . و الخطأ إليهم يعتبر فى نفس الوقت خطأ إليك وحدك و أنت نسبت كل ما يفعل إليهم إليك ، فقلت : مهما فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر ، فبى قد فعلتم (متى40:25) ، سواء كان خيراً أو شراً … بل إن مجرد عدم عمل الخير إلى الناس ، يعتبر خطية موجهة إليك ، كعدم اطعام الجائع ، و عدم زيارة المريض ، فتعاقب هؤلاء قائلاً " الحق أقول لكم : بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر ، فبى لم تفعلوا " (متى45:25) … كم إذن خطية الاعتداء و الإساءة و التدنيس !
كم إذن الخطية إلى أشخاص هم أعضاء فى جسدك ؟!
ألست أنت هو الرأس ، و هم أعضاء فى جسدك . و كما يقول الرسول عنك " لأننا أعضاء جسمه ، و من لحمه و من عظامه " (أف30:5) . فالكنيسة هى جسد المسيح . من يخطئ إلى عضو فيها ، إنما يخطئ إلى المسيح نفسه و يقول له : لك وحدك أخطأت . هو الكرمة و نحن الأغصان (يو5:15) . من يجرح غصناً ، إنما يجرح الكرمة ذاتها …
3- حتى خطيئتى ضد نفسى ، هى موجهة إليك أيضاً …
فأنا منك ، إبن لك . و عندما يخطئ أولاد الله ، إنما يسيئون إلى الأسرة كلها ، و إلى الأب نفسه . و هكذا فإن الرسول يقول " الذى تفتخر بالناموس ، أبتعدى الناموس تهين الله ؟ لأن إسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم " (رو23:2،24) . فإن كان إسم الله يجدف عليه بسببك ، إلا تقول له " لك وحدك أخطأت " ؟ كم بالأولى إذن داود الذى كان يعتبر مسيحاً للرب ؟! لذلك قال له ناثان موبخاً " قد جعلت بهذا الأمر أعداء الرب يشمتون " (2صم14:12) . هى إذن خطية موجهة إلى الرب ، جعلت أعداءه يشمتون .
4- هناك أعتبار رابع نقوله فى مفهوم الفداء فى العهد الجديد :
لك وحدك أخطأت ، لأن كل خطية أرتكبها ، ستحملها أنت عنى ، لكي تمحوها بدمك الكريم . فأنا إنما أخطئ بها إليك وحدك ، لأنك أنت وحدك الذى تحملها ، و أنت وحدك الذى تدفع ثمنها للعدل الإلهى . و ذلك كما قال اشعياء النبى " هو مجروح من أجل معاصينا ، مسحوق لأجل آثامنا … كلنا كغتم ضللنا ، ملنا كل واحد إلى طريقه … و الرب وضع عليه إثم جميعنا " (اش5:53،6) .
فأنا أخطأت إليك وحدك ، لأننى حملت كل آثامى :
ما أخطأت به إلى بثشبع ، و إلى أوريا ، لم تحمله هى ، و لا هو و لا أنا ، و إنما حملته أنت . أنت القدوس ، الذىبلا خطية وحدك ، قد وضع عليك إثم جميعنا . و حينما أقول لك " و مثل كثرة رأفاتك تمحو إثمى " ، إنما أقصد أن تمحوه بدمك ، تضعه عليك ، و تدفع ثمنه نيابة عنى ، و تكون أنت الفادى الذى تبذل ذاتك عنى . لذلك أنا أعترف بخطاياى لكي تحملها عنى ، كذبيحة خطية … إذن فأنا " لك وحدك أخطأت " أيها الفادى الحنون …
لا يقل أحد إذن : أنا لم أخطئ ، لأنى لم اسء إلى أى إنسان ! …
سواء أسأت إلى إنسان أو لم تسء ، فأنت قد أسأت إلى الله … مثال ذلك : خطايا الفكر ، أو النية ، مجرد رغبات القلب الخاطئة … أنت لم تضر بها أى أنسان ، و لكنك تقول عنها لله " لك وحدك أخطأت " – أخطأت إليك يا فاحص القلوب و قارئ الأفكار … أخطأت إليك ، لأنى رفضت شركتك أثناء أخطاء الفكر و القلب هذه . لأنك نور ، و هذه الأفكار ظلمة " و لا شركة للنور مع الظلمة " (2كو14:6) …
الخطية أصلاً موجهة إلى الله ، قبل أن تتجه إلى أحد من الناس …
منذ بدايتها فى الفكر و فى القلب ، و قبل أن تخرج إلى حيز العمل و التنفيذ ، هى تمرد على وصاياه ، و على محبته … هى ضد الله فى عملها ، و فى نتائجها أيضاً ، لأنها توجد خصومة بين الله و الإنسان . و لذلك قال الرسول عن عودة الناس إلى التوبة ، إنها خدمة المصالحة " … فقال " و أعطانا خدمة المصالحة إذن نسعى كسفراء للمسيح ، كأن الله يعظ بنا " نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " (2كو18:5،20) .
ما هو شعورك إذن ، حينما تدرك أنك فى خصومة مع الله ؟.
بغض النظر إن كانت الخطية ضد الناس أو ضد نفسك ، إنما هى خصومة مع الله و أنفصال عنه … و قد شرحنا لك هذا الأمر و بالتفصيل فى كتابنا [ الرجوع إلى الله ] … إذن فأنت محتاج إلى أن تعود إلى الله ، و تجدد علاقتك معه و ارتباطك به . و تبدأ ذلك بقولك له " لك وحدك أخطأت " .
نقول هذا أيضاً حتى عن خطايا الجهل :
إننا نطلب فى صلاة الثلاث تقديسات أن يغفر الله لنا سيئاتنا التى فعلناها بمعرفة و التى فعلناها بغير معرفة . لأنها سواء كانت بمعرفة أو بغير معرفة ، هى كسر لوصايا الله ، و بعد عن حياة الكمال . كما أن الجهل أيضاً أيضاً قد يعتبر خطية . فالمفروض فينا أن نعرف و أن ننمو فى المعرفة ، سواء بقراءة الكتب المقدسة أو عن طريق الصلاة ، قائلين للرب " عرفنى يا رب طرقك ، فهمنى سبلك " . و إن كنا لا نقرأ الكتب التى تحكمنا للخلاص (2تى 15:3) فإنه ينطبق علينا قول الرب " تضلون إذ لا تعرفون الكتب " (متى29:22) .
حقاً إنك تخطئ إلى الله ، حينما تهمل كتبه و تهمل معرفته .
المفروض فيك أن تسعى إلى معرفة الله ، و أن تجد لذة فى معرفة وصاياه ، و أن تنمو يوماً بعد يوم فى المعرفة . و تعتبر رفض هذه المعرفة خطية . اتراك تستطيع أن تقول : لا أريد يا رب أن أعرفك و لا أريد أن أعرف طرقك ! إنك لا تجرؤ طبعاً أن تقول هذا ، و لكنك تفعل ذلك عملياً ، حينما لا تستخدم الوسائل التى توصلك ؟إلى هذه المعرفة … فإن قصرت فى معرفة الله ، و لم تهتم بهذا الأمر ، ألا تقول له " لك وحدك أخطأت " .
هوذا السيد يقول عن تلاميذه فى مناجاته للآب :
" عرفتهم إسمك و سأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به . و أكون أنا فيهم " (يو26:17) ..
إذن معرفة الله تؤدى إلى محبة الله . لأنه كيف تحب الله إن لم تعرفه ؟! لا شك أنك كلما تعرفه أكثر ، حينئذ تحبه أكثر . فالذى يقصر فى معرفة الله ، إنما يقصر فى محبته ، أو فى الوسائل التى توصله إلى محبته . ألا يقول له حينئذ " لك وحدك أخطأت " … أو كما قال له أوغسطينوس " تأخرت كثيراً فى حبك أيها الجمال الفائق الوصف " .
هناك أمران يعطلان عبارة " لك وحدك أخطأت " :
أ‌- أولهما عدم أحساسنا بالخطايا الموجهة إلى الله . فنحن نسعى إلى أن نصطلح مع الناس حينما نحس أننا قد أخطأنا إليهم . و لكننا نادراً ما نبذل جهداً للصلح مع الله ، لأننا لا نحس أننا أحزنا الله بخطايانا . بينما العهد القديم يشعرنا بهذا الأمر و خطورته ، فيجعل المحرقة هى أول الذبائح " لا1" ، و هى ترمز إلى مصالحة قلب الله الغاضب على خطايانا ، و استيفاء العدل الإلهى . بينما الخطايا إلى الناس و إلى أنفسنا تمثلها ذبيحة الخطية و ذبيحة الإثم . فمصالحة الله أولاً ، ثم خلاصنا من العقوبة بعد ذلك …
إن أخطأنا إلى إنسان ، نفكر كيف نصالحه . و لكننا لا نفكر فى نفس الوقت كيف نصالح الله !!
كما لو كانت الخطية موجهة فقط ضد الناس ، و ليس ضد الله . هنا تصحح تفكيرنا عبارة " لك وحدك أخطأت ، و الشر قدامك صنعت " . لذلك أجعل مشاعرك حساسة جداً من نحو الله . و فى كل خطية ترتكبها . فكر أولاً كيف أنك أسأت فيها إلى علاقتك بالله . و لا تجعل مشاعرك نحو الله فى المرتبة الثانية . و ليملك عليك الشعور بأنك أغضبت الله ، أكثر من شعورك بأنك أستحققت العقوبة . الله أولاً : أو كما قلنا : ذبيحة المحرقة أولاً ، قبل ذبيحتى الخطية و الإثم …
ب‌- المشكلة الثانية هى أننا نكتفى بالإعتراف ، بدون الشاعر :
كل همنا أن نعترف ، و نستريح بهذا تماماً ، كما لو كان الأمر قد أنتهى … نذكر خطاياك ، دون أن نفكر فى أن نصطلح مع الله ! دون أن نعتذر إليه ، و دون أن نفكر فى أن نصطلح مع الله ! دون أن نعتذر إليه ، و دون أن نندم على أننا أحزنا قلبه المحب ، و دون أن نقارن بين أحساناته إلينا ، و إساءتنا إليه . و نقول له فى ندم و فى إنسحاق قلب " نحن يا رب كنا ناكرين لجميلك . و ما فعلناه هو خيانة لك و لمحبتك . ماذا نقول ؟ إننا فى خجل منك … " … لذلك أسأل نفسك :
هل أنت حزين لأنك أخطأت ، أم أحزنت قلب الله ؟
هل كل ما نفكر فيه هو التخلص من عقوبة الخطية ، أم أنت تريد أرجاع علاقة الحب بينك و بين الله ؟ هل الإعتراف هو علاقة بينك و بين الآب الكاهن : أنت تتكلم و هو يسمع و يقرأ لك الحل ؟! أم أنك تعترف على الله فى سمع الكاهن ، و تسمع المغفرة من الله من فم الكاهن ؟ و الإعتراف على الكاهن هو علاقة بينك و بين الله أصلاً ، تقول له فيها " لك وحدك أخطأت " .
لا تفصل اعترافك عن التوبة و عن الله .
إن سر الإعتراف يسمى فى الكنيسة " سر التوبة " فاذهب إلى الإعتراف بقلب منكسر ، نادم حزين على أنه أغضب الله و أنفصل عنه . و فى سر الأعتراف حاول أن تصطلح مع الله و ترجع إليه و كل اعتراف تقوله ، اشعر أنك تقول لله فى سمع الكاهن ، و تقول له فيه " لك وحدك أخطأت " و ليكن خجلك من الله أكثر من خجلك من أب الأعتراف .
بعد قوله " لك وحدك أخطأت ، و الشر قدامك صنعت " .. قال :


أى مهما قلته يا رب عنى ، و مهما حكمت به على ، فأنت بار فى كل أقوالك و فى كل أحكامك ، لأنى أخطأت و فعلت الشر قدامك ، و أنا مستحق لكل عقوباتك . لست أجادلك أو أناقشك أبداً ، فأنت الذى تغلب ، لأنه أمامك " يسند كل فم " (رو19:3) .
أما عبارة " إذا حوكمت " فمعناها : إذا عوقبت أو نوقشت .
أو إذا قلت لك " يا رب لماذا … ؟ " أو كما قال ارميا النبى " ابر أنت يا رب من أن أخاصمك . و لكنى أكلمك من جهة أحكامك : لماذا … " (ار1:12) أنا لست استطيع أن أتكلم ، لأنى مضبوط فى الخطية ، و خطاياى كثيرة و بشعة . إن ناقشتك فى حكمك ستغلب . فالأفضل أن أصمت .


أى أن الخطايا لها جذورها فى طبيعتى البشرية … هذه الطبيعة التى فسدت منذ البدء ، و ورثت أنا هذا الفساد فى طبعى ، حينما حبلت بى أمى . لست أقدم هذه الحقيقة كاعتذار ، إنما مجرد تقرير لحالتى … إذ كيف أعتذر ، و أنت


فأنا لم أخطئ عن جهل ، لأنك كشفت لى كل شئ فى شريعتك ، و فى الضمير الذى وهبتنى إياه . فلم يعد شئ من الحق غامضاً أمامى أو مستوراً عنى . أعطيتنى الوصية ، قبل أن أقع فى الخطية . فماذا أقول إذن ؟! و أى عذر أتقدم به ؟! لست أقول سوى :


نلاحظ هنا أن المرتل مرتبك . يقول الكلام و يعيده . ينتقل إلى معنى جديد ، ثم يرجع إلى الكلام السابق فيكرره … لقد قال من قبل " اغسلنى كثيراً من إثمى ، و من خطيتى طهرنى " . و هو يعيد الكلام عن حاجته إلى الغسيل و التطهير … ثم يعود فيما بعد فيقول " قلباً نقياً اخلق فى يا الله ، و روحاً مستقيماً جدده فى أحشائى " .
مامعنى قوله " أذضح على بزوفاك فأطهر ؟ " .
الزوفا كانت نباتاً مثل شرش الجزر " يغمسونها فى دم الذبيحة ، و يرشون بها للتطهير ، أى للتطهير بالدم .
و حسن أن يذكر الإنسان هذا الأمر فى صلاته ، لأنه بدون سفك دم ، لا تحصل مغفرة (عب22:9)
فهو محتاج للتطهير … و لا يأتى هذا التطهير إلا بالزوفا المغموسة فى دم الفادى الكريم ، كما قال القديس يوحنا الرسول " و دم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية " (1يو7:1) … و المرتل يذكر إنه محتاج أن يغتسل بهذا الدم ، فيقول :


و فى بفس الطهارة و النقاوة ، التى يكرر طلبها كثيراً فى هذا المزمور … أنا سقطت و تدنست و تنجست . و هوذا أنا ألجأ إليك طالباً أن تطهرنى من هذه الطبيعة الفاسدة الميالة للسقوط و من هذه الخطية الحالية … لست عن عقوبة أتكلم ، و إنما عن حاجتى إلى الخلاص و إلى النقاوة الكاملة التى فيها أبيض أكثر من الثلج . و تزول هذه الخطية من أمام وجهك ، حسب وعدك عن الشرير فى حالة توبته " إنه حياة يحيا … لا يموت . كل خطيته التى أخطأ بها ، لا تذكر عليه " (مز15:33،16) نعم لا تذكر عليه ، حسب وعدك " و خطاياك لا أذكرها " (اش25:43) ، لأنها قد محيت تماماً (اش25:43) (اش22:44) (ار34:31) لا يحسبها علينا (2كو19:5) (مز2:32) . و لأنه الآن قد " أبيض أكثر من الثلج " … تعبير عجيب ، أسمى من أن يشرح …
يكرر داود الكلام عن حاجته إلى التطهير و النقاوة ، لأنه فى عمق الحزن بسبب سقطته . لذلك يقول للرب :

و فى بعض الترجمات " فتبتهج عظام قد سحقتها " أما ترجمة " فتبتهج عظامى المتواضعة " فهى ترجمة غير دقيقة . تشبهها أيضاً عبارة " انظر إلى تواضعى و تعبى " و صحتها " انظر إلى انسحاقى أو ذلى ، و تعبى " …
هنا نتأمل أهمية الانسحاق و الحزن المقدس :
كل إنسان معرض للخطية . لا يوجد أحد أكبر من الخطية ، التى طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء " (أم26:7) . فى الخطيةسقط شمشون و داود و سليمان و بطرس الرسول و غيرهم . و لكن الفرق بين الشخص الروحى و الشخص غير الروحى ، هو أن الروحى يسقط و يحزن كثيراً على خطيته ، مثلما فعل بطرس ، إذ خرج خارجاً ، و بكى بكاءاً مراً (متى75:26) . أما غير الروحى ، فإنه يسقط و يقابل بلا مبالاة !
و داود – لأنه شخص روحى – حزن على خطيته …


عدم الحزن على الخطية هو ظاهرة روحية غير صحيحة . و لهذا الأمر أسباب عديدة نذكر منها :
1- إما أن هذا الإنسان عنده شئ من البر الذاتى ، يجعله يشعر أنه لا يخطئ …
2- و أما أن ضميره واسع ، ، و مقاييسه الروحية غير سليمة ، فلا يشعر بعمق الخطية ، أو قد لا يحس اطلاقاً أنه أخطأ . أو أنه يحس الخطأ ، و لكنه يتساهل معه .
3- و إما أنه لا يجلس إلى نفسه لكي يفحصها و لكي يحاسبها ، فهو فى غفوة و يحتاج إلى يقظة روحية .
4- و إما أنه من النوع الذى يدلل ذاته و يجاملها ، و يقدم لها تبريرات عديدة فى أخطائها . فكل خطأ يرتكبه ، يضع أمامه عذراً أو عذراً تخفف منه و تستر عليه …
5- و إما أنه من كثرة أستمراره فى الخطية ، قد أعتادها ، و أصبحت بالنسبة إليه شيئاً طبيعياً أو عادياً ، لا غرابة فيه ، و لا يستلزم التوقف عنده ، للحكم عليه أو للحزن بسببه … !
6- و إما أن هذا الخاطئ يعيش فى بيئة غير روحية . فهى غير مدققة فى أفعالها . فهى لا تجعله يشعر أبداً أنه قد أخطأ ، بل قد تساعده على الخطأ و تشجعه عليه ، أو تبدأ الخطأ و تشركه معها … و إن شعر أنه يخطئ ، تهون عليه الأمر . و لذلك فإن الذين يعيشون فى بيئة خاطئة ، لا يحزنون على خطية يرتكبونها !
مثال ذلك : إنسان يعيش فى بيئة أو فى بيت كل من فيه يشتم و يحلف . هذا يشتم أو يحلف ، لا يجد من يوبخه . بل يبدو الأمر عادياً جداً . بعكس الذى يعيش فى بيئة متدينة ، إن فعل هذا يخجل و يحزن ، لأن السامعين لا يتقبلون ذلك منه .
7- كذلك الإنسان الذى يعيش فى لذة الخطية ، هذا لا يجد فى داخله ما يبكته أو ما يحزنه !
بل هو على العكس سعيد بالخطية ، لا يحزن على ارتكابها بل قد يحزن على تركها أو على الحرمان منها ! و داود فى بادئ الأمر لم يكن حزيناً على خطيته ، بل كان مستمراً ، ينتقل من خطوة إلى أخرى تكملها ، يرفه عن نفسه بهذه الخطية و بإكمالها " إلى أن نبهه ناثان النبى إلى بشاعة ما
فعل . و حينئذ حزن داود .
حقاً ما أكثر ما يستمر إنسان سنوات فى خطيته ، دون تبكيت من ضمير ، و دون حزن على ما فعل و ما يفعل !
و كما ذكرت لكم فى كتاب ( اليقظة الروحية ) أن يشبه كرة تتدحرج من على جبل ، و تظل تتدرج إلى أسفل ، دون أن تملك قوة الوقوف . إلى أن يحدث مثلاً أن يعترضها حجر كبير فيوقفها بعد إنحدار طالت مدته … !


أخيراً استيقظ داود إلى نفسه ، و فى غمرة الحزن على سقطته قال للرن فى إلم و فى رجاء :
" اسمعنى سروراً و فرحاً ، فتبتهج عظامى المنسحقة " .
اسمعنى عبارة عزاء تريحنى و تريح ضميرى من الداخل … عبارة طيبة تدخل الفرح إلى قلبى الحزين ، و إلى نفسى المنسحقة … و لكن الله أحياناً حينما يخلص إنساناً ، و يرد إليه سروره ، لا يسمح أن يتم ذلك بسرعة ، لأن هناك مبدأ معروفاً يقول " إن الشئ الذى تناله بسرعة ، قد تفقده بسرعة " ذلك لأنك لم تتعب فى الحصول عليه ، و لم تعرف قيمته كما ينبغى …
لذلك يسمح الله أن المخطئ ، يستمر فى حزنه فترة …
يبقى فترة فى الذل و الحزن و الألم و الإنسحاق ، حتى تستوفى التوبة نصيبها من الندم ، و يشعر الإنسان الإنسان ببشاعة ما قد فعل .و حينئذ . إن سمح له الله بالفرح ، لا يقوده هذا الفرح إلى الاستهتار ، لأنه مؤسس على دعامة من الإنسحاق .
و للأسف ، فإنه فى بعض الطوائف ما أن يتوب خاطئ ، حتى يهللون و يفرحون ؟، و يطلبون منه أن يقف على المنبر ليحكى (اختباره ) للناس … و هكذا يتحول بسرعة و فجأة من خاطئ إلى واعظ !! و لكن الكتاب لم يعلم بهذا …
إن الحزن مفيد للإنسان روحياً ، لذلك يسمح الله به :
و قد ضرب لنا الكتاب مثلاً بحزن داود ، الذى بلل فراشه بدموعه ، و بحزن بطرس الرسول الذى بكى بكاءاً مراً . و ذكر لنا أيضاً الذل الذى كابده شمشون إلى أستجاب الله لصلاته أخيراً . و ما أكثر الآيات التى ذكرت فى الكتاب عن البكاء والدموع و الحزن المقدس … و لكنى سأذكر هنا مثالاً واضحاً بارزاً ، و هو :
فرح بولس الرسول بحزن أهل كورنثوس والشاب الخاطئ :
فى الرسالة الأولى أمر أن يسلم هذا الخاطئ للشيطان لإهلاك الجسد ، لك تخلص الروح فى يوم الرب (1كو5:5) . و وبخ أهل مورنثوس لأنهم لم يعزلوا الخبث من وسطهم ، و لأنهم " لم ينجوا " (1كو2:5،13) . و فى الرسالة الثانية يذكر أنه أحزنهم ، و يعلق فرحة بحزنهم ، فيقول : " الآن أنا أفرح ، لا لأنكم حزنتم ، بل لأنكم حزنتم للتوبة ، لأنكم حزنتم بحسب مشيئة الله … " (2كو9:7)
و يقول عن هذا الحزن " لكي لا تتخسروا منا فى شئ . لأن الحزن الذى بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة … فإنه هو ذا حزنكم هذا عينه بحسب مشيئة الله ، كم نشأ فيكم من الإجتهاد … بل من الغيرة … " (2كو9:7-11) .
كذلك ذلك الشاب المخطئ نفعه الحزن ، و نفعه العزل و العقوبة ، حتى أن الرسول عاد ليقول " يكفيه هذا القصاص … حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحرى و تعزونه، لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط " (2كو6:2،7) .
مسكين الإنسان الذى يخطئ ، و لا يحزن على خطيئته ، و لم يجد كذلك من يحزنه ، و يوبخه على خطيئته … و هكذا مرت الخطية بسهولة بلا ندم ، و بلا مذلة … و مسكين أكثر الإنسان الذى لا يقبل التوبيخ ، و يحزن بسببه لا بسبب الخطية ! كيف يصل مثل هذا الإنسان الخاطئ إلى التوبة ؟! و إلى الندم و الحزن المقدس … إننى أتأمل أولئك الذين حزنوا على خطاياهم و أتعجب …
و بخاصة الذين شهرت خطاياهم ، و سجلت فى كتب !
من منا لا يذكر خطيئة داود التى ذكرت فى الكتاب المقدس (2صم11،12) ، و التى سجلها داود فى مزاميره ، مصحوبة بدموعه ، و يرددها الناس حينما يصلون ، على الرغم من أنها نقلت عنه و محيت و أبيض أكثر من الثلج .
و من منا لا يذكر إنكار بطرس ، و يجعله كثير من الوعاظ موضوعاً لعظاتهم ، على الرغم من توبة بطرس و تعبه الكثير فى الكرازة و التبشير … ! و من منا لا يذكر زنا رحاب ، على الرغم من خلاصها و ذكرها فى سلسلة الأنساب … و مع ذلك مازال ؟إسمها هو راحاب الزانية ، ليس فقط فى العهد القديم (يش17:6) بل حتى فى العهد الجديد أيضاً (عب31:11) فى قائمة شخصيات الإيمان ! أترانا سنناديها باسم راحاب الزانية فى الأبدية أيضاً ؟؟
بل لنأخذ مثال القديس أوغسطينوس فى أعترافاته …
لقد كتب اعترافاته فى كتاب قرأته جميع الأجيال من بعده … مع أنه صار من آباء الكنيسة المشهورين الذين دافعوا عن الإيمان ، و له مؤلفات مملوءة بالتأملات الروحية العميقة التى أستفاد بها الملايين ، إلا أن خطيته ليست فقط أمامه كل حين ، بل أمام الكل فى جميع الأجيال منشورة و مشهورة .
كذلك أيضاً نذكر القديسين الذين شهرت خطاياهم ،
على الرغم من أنهم تابوا و صاروا من قديسى التوبة ، ووصل بعضهم إلى الرهبنة ، و إلى السيامة ، و إلى منصب الرعاية الكبرى ... و من بين هؤلاء القديس موسى الأسود ، و القديس كبريانوس رئيس الأساقفة و القديسين ، و القديسة مريم القبطية ، و القديس بيلاجية … و خطايا هؤلاء القديسين ، و القديسات مسجلة يدرسها الكبار و الصغار …
و ماذا نقول نحن عن أنفسها الذين خطايانا مستورة ، و مع ذلك لم نبك و نحزن عليها !!
مع أننا أعترفنا بها فى السر و لا يعلم بها أحد . و إن تصادف و اشار أحد إلى شئ منها ، و لو من بعيد ، و لو عن طريق التلميح ، نثور و نضج ، و نقيم الدنيا و نقعدها ، و لا نعترف أننا أخطأنا بشئ ! حتى الاعتراف السرى على الكاهن نستثقله أحياناً و نستصعبه ! أين التوبة إذن و الحزنالمقدس ؟ هوذا القديس مقاريوس الكبير يقول " احكم يا أخى على نفسك قبل أن يحكموا عليك " . لعله أقتبس هذا من (1كو31:11) . أترانا أيضاً نقبل التأديب و نرضى به كما قال الرسول :
" نؤدب من الرب ، لكي لا ندان مع العالم " (1كو32:11) .
على الأقل نمارس شيئاً من هذه الكآبة المقدسة التى قال عنها الكتاب " بكآبة الوجه يصلح القلب " (جا3:7) . نمارس الحزن المقدس الذى نشعر فيه أننا بالخطية قد سقطنا ، و أنفصلنا عن الله ، و عن شركة الروح القدس ، و أحزنا الروح القدس ، و الملائكة و القديسين … و لو إلى حين … و نندم و نبكى على خطايانا .
إن ندم داود ، لم يكن ندماً عابراً ، بل مستمراً …
لم يكن ندماً إلى لحظة و أنتهى ، بل إنه يقول " أعوم فى كل ليلة ، و بدموعى أبل فراشى " (مز6) لاحظ عبارة – كل ليلة – و يقول أيضاً (خطيئتى أمامى فى كل حين " . و عبارة – كل حين – تعنى الاستمرارية . إن لذة الخطية كانت إلى لحظة أو لحظات ، أما الندم عليها فكان كل حين ، إنها أفقدته عزاءه الداخلى … لذلك صرخ إلى الله قائلاً " اسمعنى سروراً و فرحاً فتبتهح عظامى المنسحقة " . و لا يقصد عظام الجسد ، و إنما رمز ذلك روحياً إلى إنسحاق نفسه .
يذكر المرتل الوسيلة التى تبتهج بها عظامه المنسحقة فيقول :



" قلباً نقياً اخلق فى يا الله . و روحاً مستقيماً جدده فى أحشائى . لا تطرحنى من قدام وجهك . و روحك القدوس لا تنزعه منى " .
" أمنحنى بهجة خلاصك ، و بروح رئاسى عضدنى " .
فهو يريد أن خطاياه ، لا تكون أمام عينى الله باستمرار أى لا يذكرها له الله ، بل يمحوها كأن لم تكن . و لكن الوسيلة التى بها ينسى الله الخطايا ، هى أن يتوب الخاطئ ، و يصير له قلب نقى و روح مستقيم .
فطالما هو مستمر فى خطاياه ، تظل هذه الخطايا قائمة أمام الله ، لا يصرف وجهه عنها . إذن لابد من التوبة و نقوة القلب و حياة الإستقامة . و هنا يرى المرتل أن هذه النقاوة ليست فى مقدور إرادته الضعيفة ، فقد جرب نفسه ، و عرف كم هو ساقط ، و كم هو سهل الإنجذاب إلى الخطية . إذن لابد من معونة إلهية ليحيا فى النقاوة . و لذلك يقول " قلباً نقياً اخلق فى يا الله … " .
و عبارة " اخلق " لا تعنى مجرد اصلاح القلب و ترميمه !
بل تعنى أنه يريد قلباً آخر غير هذا القلب القديم الذى أخطأ ، قلباً من عند الله ، عبارة عن " خلقة جديدة " (2كو17:5) . فلا يبقى القلب كما هو ، و تضاف إليه بعض المشاعر و كأنها " رقعة جديدة على ثوب عتيق " (متى16:9) . و إنما المطلوب هو خلق قلب جديد لا علاقة له بالماضى كله ، بما فى ذلك الماضى من ذكريات و أفكار و إنفعالات .
و إلى جوار القلب الجديد ، روح مستقيم .
داود إذن يريد الإصلاح من الداخل ، القلب و الروح ، وليس مجرد اصلاح التصرفات الخارجية ، فكثيراً ما يغير الإنسان تصرفاته الخارجية ثم يرجع مرة ثانية إلى الخطية ، لأن القلب نفسه ليس سليماً ، و الروح ليس مستقيماً . و لكن المرتل يهتم هنا بداخله فيقول " فى أحشائى " .
و يطلب إلى جوار روحه المستقيم ، عمل روح الله فيه .
فيقول للرب " روحك القدوس لا تنزعه منى " … حقاً إننى لم أطع روحك ، و لم أشترك معه فى العمل ، بل قاومته و أحزنته . و مع ذلك " لا تنزعه منى " . أستبقه فى داخلى ، يبكتنى على خطية (يو8:16) ، و يرشدنى إلى كل حق ، و يذكرنى بكل ما قلته لى (يو13:16) (يو26:14) ، فنزع روحك منى ، معناه أنك قد طرحتنى من قدام وجهك ، و قطعت صلتك بى تماماً … !
عضدنى إذن بروحك لكيلا أفشل … و ماذا أيضاً ؟



يجب أن نأخذ هذه الطلبة بمعنى رمزى ، و ليس بمعنى حرفى . فمن غير المعقول أن المصلى و هو منكسر القلب و شاعر بخطاياه ، ينتقل فجأة إلى موقف المعلم و المرشد ! أما أنت فحينما تقول هذه العبارة فى صلاتك ، قل فى ذهنك : هؤلاء الأثمة ليسوا سوى حواسى و أفكارى و مشاعرى . أما المنافقون فأعنى بهم المظاهر التى أبدو بها أمام الناس باراً و أنا مملوء بالخطية !! و إذ يتذكر الإنسان كلها أمام الله ، يصرخ قائلاً :



و لعلك تقول : " و ما شأنى بهذه الطلبة ، و أنا لم أسفك دماً طوال حياتى ؟! " . أقول لك : بل هذه الطلبة تخصك و تخص كل إنسان على وجه الأرض ، إذا فهمنا كلمة الدماء بمعنى آخر و هو :
النفوس التى هلكت ، و من يدك يطلب الله دمها :
و لعل هذا يوافق ما ورد فى سفر حزقيال النبى ، حيث يقول الرب "… فذلك الشرير يموت بذنبه ، أما دمه فمن يدك أطلبه " (حز8:33) . مثل هذا الدم هو الذى تطلب من الله أن ينجيك منه … إذن يمكن أن يكون المقصود بالدماء فى هذه الآية ، هو المعنى الروحى و ليس مجرد المعنى المادى …
الذين يتسببون فى هلاك غيرهم ، يطالبهم الرب بدمائهم :
من أمثلة ذلك كل من يعثر غيره و يوقعه فى الخطية ، حتى لو لم يخطئ معه … من أمثلة ذلك الفتاة التى تعثر شاباً فيسقط فى الخطية بالفكر و الشهوة أو بالفعل بسببها ، حتى دون أن تسقط هى معه … ومن أمثلة ذلك بلعام الذى ألقى بعثرة أمام بنى إسرائيل (رؤ14:2) . و بالمثل من يعثر غيره بأفعاله الخاطئة ، فيوقعه فى خطية الإدانة و ما يصحبها من غضب … أو من يثير غيره و يوقعه فى الغضب ، دون أن يغضب هو .
كذلك تنطبق هذه الطلبة على من ينشرون البدع و الهرطقات و التعليم الخاطئ .
فإن كان الناس يمكن أن يهلكوا روحياً و يفقدوا أبديتهم ، عن طريق البدعة و الهرطقة ، إذن لابد أن يطالب بدمائهم من أخترع هذه البدع و من نشرها و من علم بها … ترى كم من الدماء سوف يطالب بها أريوس و أوطاخى و نسطور ، و كذلك من ينشرون أفكار شهود يهوه و أمثالهم … لأجل هذا كله يقول الرسول " لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ، لأننا فى اشياء كثيرة نعثر جميعنا " (يع1:3،2) . فليحترس إذن الذين ينشرون تعاليم خاطئة ، لأنهم بذلك ينالون دينونة أعظم ، و فيها يطالبهم الله بدماء كل من أعتنقوا تعاليمهم … كم و كم إذن تكون دينونة من ينشرون الإلحاد بالتعاليم و بالكتب و بالسلطة و بالمثل كل من يثيرون الشكوك فى الدين و فى العقيدة و يفسدون إيمان كثيرين يطالبهم الله بدمائهم …
تنطبق هذه الطلبة أيضاً على الذين يهملون فى أمور الرعاية و الخدمة و التعليم .
و هكذا يقول الرب فى سفر حزقيال النبى " إن لم تتكلم لتحذر الشرير من طريقه ، فذلك الشرير يموت بذنبة . أما دمه فمن يدك أطلبه " (حز8:33) و ينطبق هذا على كل الذين يعملون فى الرعاية ، كل منهم فى نطاق اختصاصه … وفى طقس رسامة البطريرك يقال له " تسلم عصا الرعاية من يد راعى الرعاة الذى أئتمنك على رعيته . و من يدك يطلب دمها "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت الملك
عضو فعال
عضو فعال
بنت الملك


عدد المساهمات : 151
تاريخ التسجيل : 30/05/2009

تاملات فى المزمور الخمسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاملات فى المزمور الخمسين   تاملات فى المزمور الخمسين Emptyالإثنين ديسمبر 21, 2009 10:35 pm

ربنا يبارك تعب محبتك مجهود جميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://the1king.yoo7.com
kapo_love
مشرف قسم حياه السيد المسيح
مشرف قسم حياه السيد المسيح
kapo_love


عدد المساهمات : 1246
تاريخ التسجيل : 02/06/2009
العمر : 35
الموقع : ابـــــــــن المـــلك

تاملات فى المزمور الخمسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاملات فى المزمور الخمسين   تاملات فى المزمور الخمسين Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2009 1:19 am

مجهود جميل جداااااااااا ربنا يبارك تعب محبتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مرمر بنت المسيح
مدير المنتدى
مدير المنتدى
مرمر بنت المسيح


عدد المساهمات : 2384
تاريخ التسجيل : 13/09/2009
العمر : 34
الموقع : قلب يسوع

تاملات فى المزمور الخمسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاملات فى المزمور الخمسين   تاملات فى المزمور الخمسين Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2009 1:46 pm

مجهود جبار بجد يا مينا
ربنا يباركك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
samuel_cristiano
مشرف قسم البابا شنوده
مشرف قسم البابا شنوده
samuel_cristiano


عدد المساهمات : 1107
تاريخ التسجيل : 11/06/2009
العمر : 34
الموقع : https://the1king.yoo7.com

تاملات فى المزمور الخمسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاملات فى المزمور الخمسين   تاملات فى المزمور الخمسين Emptyالثلاثاء يناير 19, 2010 11:07 pm

موضوع رائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاملات فى المزمور الخمسين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاملات الميلاد للبابا شنوده
» المزمور أل151 في التقليد القبطي
» تفسير بسيط لايات المزمور الاول
» تاملات فى صلاه الشكر
» ودى مجموعة تاملات أخرى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اولاد الملك  :: تاملات و قصص قصيره :: تامل فى الكتاب-
انتقل الى: