1- انظروا إلى ارميا النبي يعاتب الرب ، ويقول له أيضا : لماذا 000 وذلك في قولة { أبر أنت يا رب من أن أخاصمك . و لكني أكلمك من جهة أحكامك : لماذا تنجح طريق الأشرار . اطمأن كل الغادرين غدرا } ( إر 12 : 1 )
إني أعجب من التراب و الرماد ، حينما يناقش الله في أحكامه ، ويقول له لماذا ؟ ! حقا إن القديس بولس الرسول يقول: { يا لعمق غني الله و حكمته وعلمه 0 ما أبعد أحكامه عن الفحص ، وطرقه عن الاستقصاء لانة من عرف فكر الرب ، أو من صار له مشيرا ؟ ! } ( رو 11 : 33 ، 34 ) .
ولكن ارميا النبي يقول هنا للرب : أكلمك من جهة أحكامك : لماذا ..؟
إنه شئ يا رب لم استطع أن أفهمه . شئ غريب أنك تترك الأشرار هكذا ينجحون { غرستهم فأصلوا . نموا وأثمروا ثمراً } { حتى متى تنوح الأرض ، وييبس عشب كل الحقل من شر الساكنين فيها ؟ !} ( أر12 :2،4)
لماذا يا رب يحدث هذا ؟ لماذا ينجح الأشرار ؟ أين عدلك ؟ أين محبتك للصلاح ؟!
أعطيني حلاً . أعطيني تفسيراً . أشرح لي أحكامك . { فهمني حقوقك . عرفني طرقك . أكشف عن عيني فأرى 000 } ( مز 119) . أريد أن أفهم ، على قدر ما يستطيع عقلي أن يفهم ، لماذا تنجح طريق الأشرار ؟!
والرب يقبل هذا العتاب في هدوء . ويشرحه في موضع أخر : الأشرار كالدخان الذي يرتفع إلي فوق ، وفيما يرتفع يضمحل ويتبدد ، وتنظر إليه فلا تجده : { بعد قليل لا يكون الشرير . تتطلع إلي مكانه فلا يكون 000لأن الأشرار يهلكون .. فنوا ، كالدخان فنوا } ( مز 37 : 10 ، 20 )
الله غير المحدود غير المدرك ، يفتح صدره ، ويتفاهم مع أولاده ، حينما يقولون : لماذا ؟
2- نفس عبارة لماذا ، قالتها عذراء النشيد :
أنها تعاتب الرب الذي تحبه بقولها { أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي .. لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك } ( نش 1 : 7 ) . والرب لا يتضايق من عتابها بل يقول لها : { أن لم تعرفي .. فأخرجي على أثار الغنم } .. تتبعي خطوات القديسين ..
3- مثال أخر ، مفتوح القلب جداً في العتاب مع الله ذلك هو أيوب الصديق ..
أنه يعاتب الرب في جرأة عجيبة ، ويستخدم أيضاً عبارة { لماذا ؟} فيقول له: { أشكو بمرارة نفسي . أبحر أنا أم تنين ، حتى جعلت على حارساً ؟ } { كف عني } ( أى 7 : 11 ، 12 ، 16 ) أى إنسان منا ، لو قال عبارة { كف عني } لصديق له ربما ما كان يحتملها منه ولكن أيوب الصديق يقولها لله نفسه ، ويتابع عتابه قائلاً : لآ حتى متى لا تلتفت عنى ولا ترخيني ، ريثما أبلع ريقي } ( أى 7 : 19 ) . ثم يقولها بعدها :
{ لماذا جعلتني عاثوراً لنفسك ، حتى أكون على نفسي حملاً ؟ ولماذا لا تغفر ذنبي ولا تزيل أثمي ؟ } ( أى 7 : 20 ، 21 ) .
من يستطيع أن يقول كلاماً مثل هذا لأحد من الناس ؟ ولكن أيوب في عتابه مع الله يقول له أكثر من هذا بكثير ؟ انه يقول له
( أى 10 : 2 )
{ أخاف من كل أوجاعي ، عالماً أنك لا تبرئني . أنا مستذنب ، فلماذا أتعب عبثاً . لو اغتسلت بالثلج ، ونظفت يدي بالأشنان ، فأنك في النقع تغمسني ، حتى تكرهني ثيابي } ( أى 9 : 28 – 30 )
أتظنوا أن الله غضب من هذا العتاب ؟ كلا .
بل أن الله في أخر السفر ، حينما وبخ أصحاب أيوب الثلاثة الذين كانوا يثيرون نفسه المرة بالاتهامات الباطلة ، قال لهم : { لم تقولوا في الثواب كعبدي أيوب } ( أى 42 : 7 )
صدقوني لو لم تكن في هذا المزمور الثالث سوى عبارة } يا رب لماذا { لكانت كافية ، كعبارة معزية لنا ، تعلمنا العتاب مع الله ..
انظروا كيف أن أيوب الصديق يقول : { أبعد يديك عني ولا تدع هيبتك ترعبني .. أتكلم فتجاوبني .. اعلمني ذنبي وخطيتي لماذا تحجب وجهك ، وتحسبني عدواً لك ؟ أترعب ورقة مندفعة ، وتطارد قشاً يابساً ؟! }
( أى 13 : 21 ـ 25 )
وألهنا الطيب لا يتضايق من عتاب أيوب .
ولا يعتبر المناقشة معه إقلاقاً لكرامته . كلا ، بل أن الله يحب أن نتكلم معه ونناقشه ، ويفرح بهذا ويسر ، لأن هذا العتاب دليل المحبة والدالة .
وأحياناً يفتح الله مجالاً للعتاب :
مثلما فعل مع أبينا إبراهيم ، حينما فتح معه موضوع إهلاك سادوم ، وقال له إبراهيم : { أفتهلك البار مع الأثيم ؟! .. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر .. حاشا لك أديان الأرض كلها لا يصنع عدلاً ؟ } ( تك 18 : 23 ـ 25 )
وفعل هذا أيضاً مع موسى النبي ، حينما غضب الرب على الشعب لعبادتهم العجل الذهبي فقرر إهلاكهم . وكلم موسى في الأمر فعاتبه موسى بنفس العبارة : { يا رب لماذا ؟ } وقال له { لماذا يحمي غضبك على شعبك الذي أخرجته من مصر بقوة عظيمة ؟ .. لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال .. ارجع عن حمو غضبك وأندم على الشر بشعبك } ( خر 32 : 11 ، 12 )
القديسون يناقشون الله . ولكن هوذا أمر أخر :
الله يدعو إلي هذا النقاش ويقول نتحاجج ـ يقول الرب :
.. (إش18:1)
إن الذين يهربون من وجه الله خائفين ، واضح أنه ليس فيهم الحب ولا الدالة . لقد هرب أدم من وجه الله وأختبأ خائفاً ، ولكن الله دعاه ليسأله ويكلمه . وهرب يونان من وجه الله ، ولكن الله دعاه وكلمه وعاتبه . وشرح المر وأقنعه