المسيحي لازم يكون شاعرا

-

يجب أن تكون نفس الإنسان المسيحي رقيقة وحساسة وشاعرية , تطير دائماً تطير ,
تعيش في الأحلام . تطير في المطلق , داخل النجوم , ضمن عظائم الله , ضمن الصمت .

من يريد أن يصبح مسيحياً , عليه أولاً أن يصير شاعراً , أن يتألم . أن يحب ويتألم
, يتألم من أجل من يحب . المحبة تدفع إلى التعب من أجل المحبوب . إنه يركض طوال
الليل , يسهر , يدمي قدميه , كي يلتقي مع المحبوب , يقدم التضحيات ولا يحسب
لشيء حساباً , لا التهديدات ولا المصاعب , كل ذلك بسبب المحبة , أما محبة المسيح
فهي شيءٌ آخر , أسمى بما لا يقاس .

وعندما نقول محبة , لا نعني الفضائل التي سنقتنيها , بل القلب المحب للمسيح
وللآخرين . إلى هناك فلنوجه كل شيء . هل ترى أمَّاً تحمل طفلها في حضنها , تقبِّله
بشوق ولهفة ؟ وهل ترى وجهها مشرقاً وهي حاملة ملاكها الصغير ؟ إنَّ إنسان الله
يرى كل هذا فيتعجب ويتعطش ويقول : ( ليتني أملك هذه اللهفة نحو إلهي , نحو
مسيحي ونحو العذراء والقديسين ! ) هكذا ينبغي أن نحب المسيح ونحب الله . إنك
تتوق إليه وتريده وتقتنيه بنعمة الله

ولكن , هل نملك نحن لهيباً تجاه المسيح ؟ وعندما نكون متعبين هل نسرع كي نرتاح في
الصلاة لدى المحبوب ؟ أم نقول متثاقلين : ( آه عليَّ الآن أن أقوم بصلاتي وقانوني )
؟ ما الذي ينقصنا حتى نشعر هكذا ؟ ينقصنا العشق الإلهي . مثل هذه الصلاة لن تكون
ذات أهمية , بل قد تسيء أيضاً


إذا تلوثت النفس , وأصبحت غير مستحقة لمحبة المسيح , يقطع المسيح علاقته معها ,
لأنه لا يريد بقربه نفوساً ( فظة ) . وعلى النفس أن تنتبه من جديد كي تستأهل
المسيح , وأن تتوب " سبعين مرة سبع مرات " . التوبة الحقيقية تجلب التقديس . فلا
تقل ( لقد انقضت سنو حياتي في الباطل , ولم أعد مستحقاً ) . بل عليك أن تقول :
( أتذكر أيام البطالة و التي لم أحيَ فيها بقرب الله ... )


اسمعوا ما يقوله القديس إغناطيوس برياندشانينوف في كتابه " يا بني أعطني قلبك
" : " كل عمل جسدي أو روحي , لا يرافقه ألم أو تعب , لا يثمر ثمره المنشود . لأن
ملكوت الله يُغتصب والغاصبون يختطفونه . فلا بد من غصب الجسد في كل تعب نسكي "

عندما تحب المسيح تتعب , ولكنه تعب مبارك . تتحمل ولكن بفرح . تصنع السجدات
وتصلي , تعبيراً عن الشوق , الشوق الإلهي . ألم وشوق , عشق , تلهف , ابتهاج ,
فرح ومحبة . السجدات والسهرانيات والصوم , كلها أتعاب تتم من أجل المحبوب , من
أجل أن تعيش المسيح . ولكن لا يتم هذا التعب كرهياً أو بتذمر . فكل ما تفعله سخرة ,
يسبب ضرراً كبيراً لك ولعملك . التضييق والدفع بقوّة يولّدان الاحتجاج . التعب من
أجل المسيح والشوق الحقيقي هما محبة المسيح , هما تضحية وانحلال . هذا ما شعر به
داود : " تشتاق نفسي إلى ديار الرب " ( مز 84 : 3 ) تشتاق نفسي بلهفة ,
وتنحل من محبة الله . كلام داوود هذا يتناسب مع المقطع الشعري ل" فيريتي " الذي يعجبني :

" اشتهيت أن أعيش بصحبة المسيح , إلى أن أبلغ لحظة النهاية وأموت "

لكي يفقه المرء ما يقرأه ويتبناه , لا بد من الانتباه والمحاولة . هذا هو التعب الذي
سيقدمه الإنسان . وبالتخشع والحرارة والدموع سوف يدخل بعد ذلك بلا تعب . إنه
ا عطايا الله , ستأتي لاحقاً . وهل يحتاج العشق إلى جهد ؟ إنك بفهمك الطروباريات
والقوانين والكتب المقدسة , تنجذب بابتهاج وتدخل إلى الحقيقة بسرور " أعطيت
سروراً في قلبي " ( مز 4 : 8 ) كما يقول داوود . هكذا تلج إلى الخشوع بعفوية وبلا عناء ...


افتحوا أيديكم وارتموا في أحضان المسيح عندئذٍ يحيا فيكم وستظنون باستمرار أنكم لا
تحبونه كثيراً وتريدون أن تقتربوا منه أكثر وأكثر وأن تصبحوا واحداً معه . احتقروا
الأهواء ولا تنشغلوا مع الشيطان بل تحولوا نحو المسيح ولكي يتم هذا تحتاجون إلى
حضور النعمة , النعمة الإلهية التي تشفي دائماً المرضى وتكمل الناقصين